"نصري وفيلمون في البال"... ينبوعُ فرح متفجّر طغى على مدارج بيبلوس في حفلٍ تكريميّ لعملاقين لبنانيين لم ينالا حقهما كما يجب رغم أنهما عُرفا بنابغة المسرح واللحن وعبقرية الأداء. إنهما نصري شمس الدين وفيلمون وهبي، موهبتان تركتا خلفهما تاريخاً يحفل بكل ما يحلم به إنسان من مجد متكامل فنياً الى درجة الإرتقاء للكمال.
أرادت مهرجانات بيبلوس الدولية هذا العام إعادة إحياء تاريخ وهوية متجسّدة للأغنية المعبرة من عملاقين أضافا للأغنية والتلحين والمسرح اللبناني الكثير، فاجتمعت ثلاثة أصوات لفنانين مشهود لهم ببصمتهم الفنية العريقة، وقدموا نخبة من أجمل الأغاني اللبنانية على الإطلاق: غسان صليبا، سمية بعلبكي وباسمة.
حمل ورثة منصور الرحباني الثلاثة على عاتقهم هذا الشعار، فصاغوا تفاصيل حفل "نصري وفيلمون في البال"، وأعادوا توزيع الموسيقى، فتولى مروان الإخراج، وقاد غدي الفرقة الموسيقية أما أسامة فتألق على البيانو. وتوزعت السكتشات والأغاني والألحان المميزة جداً بالتساوي بين المغنين الثلاثة، جمع في ما بينها في خط سردي، الحكواتي رفيق علي أحمد، الذي لم يوفر بنقده اللاذع الواقع اللبناني.
ومَن أرقى من الفنان غسان صليبا ليجسّد بخامته المخملية الجبلية عالم الدبكة اللبنانية، فأبدع بأداء أغانٍ تركت بصمتها في أرشيف الرحابنة، لتعلو معه الاصوات فرحاً من ميناء جبيل مع "يا دارة دوري فينا، منقول خلصنا تودعنا، من عز النوم بتسرقني، هدّوني هدّوني، عم تغزل تحت التينة، يا أم الأساور، إسما تفاحة، رقّصتك بالعيد، إسكتش عن مجلس البلدية، على دلعونا لا نحنا فهمنا ولا فهّمونا، عالعالي الدار، كيف حالهن، جبلية النسمة جبلية، يا مارق عالطواحين، عنّي يا منجيرة عنّي، يا إم الزنار والخصر الحلو مايل"....
ومع سمية بعلبكي متعة تذوّق الجمهور أسمى الألحان وأعمق الكلمات، فطبع صوتها بأغان عدة كـ ليلية بترجع ياليل، كتبنا وما كتبنا، صيّف يا صيف، يا إمي طل، يا إمي دولبني الهوى، بكرم اللولو، يا كرم العلالي، وفايق يا هوى، وغيرها...
وما كان من باسمة إلا أن عانقت خياراتها المؤثرة أكثر الأغاني التي شاعت بين أغنيات فيروز وصباح، فأعادت الحنين الى زمنٍ بات شبه موجودٍ مع "راجعة على ضيعتنا، جنينة حبيبي ملياني، عالبساطة البساطة، عالعصفورية، أنا خوفي من عتم الليل، يا مرسال المراسيل، على جسر اللوزية، طيري يا طيارة طيري، عتيمة عالعتيمة، و مرحبتين".
ولتكتمل الصورة التذكارية، أجاد الثلاثي إسدال ستارة الحفل على أغنيات "هدارة" قدموها معاً وترافقت مع فرقة الدبكة من تصميم سامي خوري. أما العرض فقد تخللته نماذج مقتطفة من المواقف المسرحية الحوارية والمغنّاة، مع بعض السكتشات، واللوحات الفولكلورية الراقصة مع الكوريغرافيا سامي خوري، مدرّبة الرقص دانييل الرحباني، والمستشار الفني فؤاد خوري.
عاد الجمهور الى حقبة ذهبيّة ضمن سهرة تعجّ بالنوستالجيا والحنين الى الأغنية اللبنانية، ومع "نصري وفيلمون في البال"، مسرح بيبلوس يستذكر بأصواتٍ كبيرة، وببصمة أبناء "آل الرحباني".