دفعتني حشريتي الصحافية الى متابعة برنامج "كل يوم جمعة" الذي يقدّمه الإعلامي الشهير عمرو أديب، و هو يستضيف الفنان اللبناني –اللبناني مروان خوري، أردت أن أشاهد حلقة حوارية بين إعلامي و فنان، يطرح من خلالها الأول الأسئلة المعهودة على الضيف، ليجاوب الأخير بأجوبةٍ إعتدانها "كليشيهاتٍ" مع تغييرٍ بنبرة الصوت وتفاصيل السيناريو المعهود.
كما توقعت أن أستمع إلى أغاني مروان والتي ترافقني منذ أول "مرحبا" ألقيها على دجى الصباح، حتى آخر تنهيدةِ تعبٍ تستلقي على وسادةٍ كما على وعد الأحلام.
لن أتحدث عن تفاصيل الحلقة كأيّ "مفرّغٍ" للحلقاتِ التلفزيونية، لن أفنّد أغاني مروان التي ترتقي إلى معلّقاتٍ تُكتبُ على ورقٍ فتنسخ كلماتها الروح حتى تُحفظ سرمديّة البقاء. لا يعنيني شكل مروان الخارجي، وماذا كان يرتدي، لا تهمّني تفاهات الديكور والإضاءة، لم أتلهّى في تقيييم الصورة و"الكادرات" الإخراجية، فعند الكلام العميق تصمت همسات التفاصيل كما وشوشات الماديات.
إن هذا اللحن من هذا الفنان، إن هذه القصيدة من هذا الفنان، إن هذا العمق من هذا المبدع. هي الفكرة التي ترددت في ذهني طوال مدة المقابلة. عمرو أديب عرّف عن مروان على أنه "مطرب العشق والحالة" خيرُ الكلام يُختصر لحضوره، أما من بعد المقدّمة أمسى كلام مروان هو الحضور والحضرة.
سألهُ عن ألحانه قبل تحقيق شهرته كمطرب، أجاب مروان "ألحاني في تلك الفترة سبقتني"، جواب يحمل دلالات العمق الفكري، كيف للحنٍ أن يسبق مبدعهُ، وكأنهُ يصف اللحن بالممهّد، العنصر الصانع للإسم والشهرة. كما كان لمروان جواب أكثر من نظري عندما صرّح أنه يحقق نفسه بالموسيقى خاصته، كما أنها تحقق الـ Ego أيّ "الأنا"، أليس هذا العنصر المتزّن في اللاوعي حسب تصنيف كبير علماء النفس "فرويد"، أيّ أن مروان يضبط بين الأنا الاعلى و"الهو" في النظرية البنيوية. إذاً الموسيقى هي إعتدال النفس، هي إشباع الـ"هو" بتحضّر الأخلاق و كِبَر النفس، الموسيقى هي الوسيط بين "الهو" والعالم الخارجي. إذا الموسيقى هي محور العقل الباطني.
لكنهُ كسر الرعب بمتعة الغناء، "كسر الخوف بالفرح" إجابة غير"كليشي" لم تأت كما توقعات المعتاد من قبل سطحييّ الفن: "حبّي للجمهور- ثقتي بنفسي- مدير أعمالي – وبيّ شجعني...." هذه الأجوبة التي إستخفّت من ذكائنا حتى شبعنا "هبلاً"، لا، فمروان لا ينضحُ إلا بما فيه من ثقافةٍ وإبداع.
لم يجامل الفنانين عندما عُرضت صورهم عليه، بل تحدّث عنهم بلسان الواعي الذي يُصيب الحقيقة دون أن يُصاب بعدوى التملٌّق. أما عندما غنى "البنت اللبنانية" فقد صُدم عمرو أديب، بالموسيقى السريعة وفرح الناس الأسرع.
مروان خوري لا يجيب عن الاسئلة بأجوبة، لكنه يجيب بوجدانيات الكلام و إبداع الفكر. إنها ثقافتهُ الظاهرة على علوٍ شاهق، يرتفع فوق سُحب الغباء المستشري في الوسط الفني، ثقافةٌ أتت نتيجة جهدٍ كما أصبحت محفّز جهدٍ آخر. فهي دينامو إبداعه الفنيّ، هي بذورٌ تكبر نوتاتٍ تمرّ ببلوغ الكلمة العميقة وتصل إلى رُشدِ الأغنية الناجحة. مروان خوري، فنانٌ من رتبة الفيلسوف.