صدر حديثًا للكاتبة لورا مقدسي "موسم الهجرة إلى الحرّية" عن دار سائر المشرق. والعنوان فرضته المواسم الدرامية للهجرة في المنطقة العربية، بدءًا بالموسم الفلسطيني، إلى اللبناني فالعراقي والسوري واليمني. طوابير لا تنتهي من النزوح والهجرات المتعاقبة على مدى السنوات. وبرعت الروائية في إحكام الحبكة بين الزمن المتشظي بين ثمانينات الحرب الأهلية والألفية الثنانية. ففتحت كوّة على الحرب وأخرى على السلام، صورة من بيروت وأخرى من مدن السويد الغارقة في الترف وراحة البال، ومضة من حب جريح وومضات من قهر مجلجل في دوامة الغربة. وشكّل النثر المتدفق نسيجًا روائيًا يأخذ القارئ في رحلة من بيروت ، إلى موسكو ووارسو، فأوستاد وغوتنبرغ ومولندال فاستوكهولم، لتبسط أمامه وجوه المأساة المتكررة بأشكال مختلفة.

وتقفز وجوه كثيرة تأخذ بيدها وتدفعها في رحلة البحث عن الحرية: إحسان الذي وهبها فرصة التحرر من قسرية الحروب، ونديم المدمن على حبّ بيروت وانتظار الحبّ أن يعود، والمهرّب الفلسطيني في وارسو وبيورن الجامعي وكارلو الإيطالي وفيرا المشّعة كقوس قزح، ومصطفى الكردي الذي يقتله حنين إلى وطن غير موجود، وعلي العراقي ونيقولا الزحلاوي وأخيرًا هنريك الغريب الأطوار.

إنها قصة ليلي آن التي فقدت شقيقها في الحرب وتعرّضت لمحاولة خطف واغتصاب وقررت أن تغادر مدينتها بعيدًا عن رائحة الحرب والبارود. وفي المنفى تجد نفسها مع كثيرين بين الأوسطيين تعاني من إهمال وذلّ واحتقار، لتصبح الغربة طريق جلجلة طويلة.

تطرح الرواية قضايا متعلقة بالهويّة والحبّ والانتماء، وتنتهي بدحضها على أنّها أوهام وقيود. وتضيء على تأثير العنف والحروب المتواصلة على الناس وطريقة عيشهم وشعورهم الدائم بالإحباط.

عند عودة بطلة الرواية إلى بيروت بعد 22 عامًا، تشعر بالغربة لأن بيروت لم تعد المدينة التي قتل من أجل قيامتها 200 ألف شخص، ولأن اليسارهُزم والدولة المدنية العلمانية باتت حلمًا صعب المنال، ولأن عائلتها انهارت ونديم تزوج ولم يعد لها من موقع قدم في مسقط رأسها. غريب أنها تشعر بالغربة أينما حلّت. لها قدم في الشرق وقدم في الغرب ولا تشعر بالانتماء لأيٍ منهما.