لا تدوم الكلمة، برهجتها ومعناها، إلا إذا استطعمنا بمذاقها، وسكرنا على رنانتها وزرعناها في حديقة ذاكرتنا ورويناها بعشقنا لها. لا يبقى نجم قصيدة مشعا سوى في ارتعاشنا لسماعها، معطّرة بقوافيها. جوزف أبي ضاهر، شاعر الحب وفراشات الحقول، لم يكتف بأن يكون الغيور على قصائده والصائن ذاكرتها من الضياع، بل مد ذاكرته جسرا إلى شعراء الزجل، يجمع أقوالهم وسير حياتهم، ويحيي ذكراهم حتى لا يخيّم النسيان على هذا التراث المتمدد في الزمن البعيد. بل راح الى أبعد منقّباً في جذور تعود إلى القرن الرابع مع إفرام السرياني الذي دوَن قواعد وألحان لما كان رائجا آنذاك من أغاني الفلاّحين والزلغوطة وتهويدات الأطفال. جمعهم شاعرا تلو آخر، زمنا تلو آخر، والسبحة تتضاعف حبوبها بقدر ما كانت تنبت من أرض الذاكرة مواسم معطّرة بشعراء تركوا قوافيهم المرتجلة في خواطر الناس، في ذاكرة هواء لبنان، في قلب حبيبة إئتمنت على كلمات غزل غنّاها لها الشاعر وحفظتها بين طيات أحرف اسمها، إلى أن جاء من يشي بها ويجمعها في كتب يغدو فيها الشاعر حبيب كل أنثى، تقطف من قوافيه وردة لضفيرتها.
مع الباحث والشاعر والمثقف جوزيف أبي ضاهر كان هذا اللقاء حول كتابه الجديد "بيتر مدوّر من جونية إلى جائزة نوبل" وأمور ثقافية عديدة:
لماذا لم تكرر تجربة الأطفال؟
لقد كتبت عدّة أغاني للأطفال لكنني الآن متفرّغ للكتابة والتأليف كأنني في صومعة في منزلي. فأنا أكتب كتباً للجامعات مثل سيدة اللويزة والكسليك وأكتب في الوقت عينه 4 كتب. وبعد 50 عاماً في مجال الصحافة والإعلام كما خلقتني يا الله حتى منزلي عرضته للبيع. وفي أيام الحرب عملت في صوت الجبل ضمن فقرة "صباح الورد" تتضمّن خواطر وشعراً ألقيها بصوتي. لكن الصحافة اليوم في أزمة فآخر عمل لي كان في إذاعة صوت لبنان في فقرة "حدث اليوم" الساعة السابعة صباحاً أخبر حادثة جرت في مثل هذا النهار في دقيقة واحدة. لجامعة الكسليك قمت بكتابة 20 كتاباً عن أعلام الزجل في لبنان ابتداءً من أيوب تابت رئيس الجمهورية السابق الذي كان شاعراً زجلياً. والآن أكتب بعض المقالات وأرسلها إلى جريدة الأنوار في الصفحة الثقافية المسؤول عنها جورج طرابلسي صديقي منذ العام 1968.
أخبرنا عن كتابك الجديد "بيتر مدوّر من جونية إلى جائزة نوبل" ...
كتابي بيتر مدوّر هو كتابي ال 62 المطبوع ولدي فوق الـ 6000 حلقة إذاعيّة وعدة برامج تلفزيونية عبر كل التلفزيونات أنا عملت بالصحافة لمدة 50 عاماً. وكتبت أغاني للأطفال وللكبار مثل وديع الصافي الذي غنى لي "عندي الحرية عايشة فينا" ولكثيرين. في إحدى حفلات مجلتي "صدى الأرز" عام 1968، لتكريم عدد من أعلام لبنان. وكان من المتكلمين المحامي عبدالله لحود الذي تحدّث إلي عند انتهاء الحفلة وقال لي "لقد كرّمنا 5 من أعلام لبنان المهمّين لكن هناك واحداً من أبناء بلدتك لم نأت على ذكره" فسألته من هو؟ قال بيتر مدوّر . الحاصل على جائزة نوبل عن الطبّ والفيزيولوجيا وقد حصد لقب Sir من الملكة البريطانية. وعندما زار لبنان طلبت الملكة البريطانية أن لا يأخذ اي وسام في لبنان لأن فوق وسام الملكة ليس من وسام أهم. وقد استقبله الرئيس فؤاد شهاب بالبذلة البيضاء. وقد حضر إلى بعلبك وشاهد فيها عرضاً لفرقة بريطانية كان يحب أن يشاهدها في بريطانيا. وزار فلسطين أيضاً. وفي عيدها المئوي دعته الجامعة الأميركية في بيروت ليلقي محاضرة. وهو أول شخص من خارج الإتحاد السوفياتي يحاضر في الإتحاد السوفياتي فعالم بريطاني لبناني يلقي محاضرة في الإتحاد السوفياتي فهذا مهم جداً.
ما هي الإنجازات الطبية التي قدّمها ليحصل على جائزة نوبل؟
اكتشف المناعة واكتشف كيفية ترقيع الجلد هو وطبيب آخر وقد تقاسما الجائزة وهو عانى من الفقر وقد اجتهد كثيراً وكتب 14 كتاباً.
كيف حصلت على صور هذه الكتب وكل هذه المستندات؟
أنا لدي أرشيف كبير وقد وثقت هذا الأرشيف. ومنذ 50 عاماً وأنا أجمع هذا الأرشيف لأنني كنت أعمل في الجريدة فكنت أرشف لي وللجريدة.
لماذا اسم بيتر مدوّر مغمور في لبنان؟
لأنه حصل على جائزة نوبل واستقرّ في بريطانيا.
لمن يتوجّه هذا الكتاب؟
هذا الكتاب يتوجه إلى جميع القرّاء. فهو عبارة عن قصّة أرويها لهم عن سيرة بيتر مدوّر.
في عصر الإنترنت هل هناك قراء للكتب؟
نعم لا يزال هناك قرّاء للكتب.
كتابك "بيتر مدوّر من جونية إلى جائزة نوبل" هل القصص فيه من تأليفك أم هي وقائع؟
القصص من تأليفي لكن هناك بعض الوقائع الحقيقية والتي أخذتها من مراجع حدّدتها في الكتاب.
لماذا لا نرى برامج ثقافية عبر الإعلام؟
لأن من يقدّم هذه البرامج الثقافية "تقيل الدّمّ". فيجب أن يعرف المقدم كيف يعطيك المعلومات الثقافية فمعظمهم ينظّر بل المطلوب أن يخبرونا قصصاً.
اليوم نحن في عصر الكتاب الرقمي لماذا لم تتجه إليه؟
أنا وغيري كثيرون لا نزال نقرأ الكتاب الورقي. فالمشكلة ليست في الورق بل في محتوى الكتب فإذا كتبت بأسلوب سهل وقريب إلى وجدان القراء فسيقرأون كتابك.
حدّثنا عن كتاب "داني توماس"...
داني توماس مهم جداً... فوالدته كانت تنذر لمار لابا وهو نفسه سانت جود. والكتاب عنه وفيه صور وقصص عديدة.