في عالم بدت ألوانه باهتة وقريبة من واقع تعيشه المرأة العربية عموما، والمصرية خصوصا، يقدم المخرج محمد حماد فيلمه الروائي الأول "أخضر يابس"، ليترك تساؤلا كبير في ذهن كل من يشاهده، مفاده: هل تجد المرأة العربية نفسها يوما مستقلة عن الرجل، قادرة على اتخاذ قرارها، ومؤمنة أنها إنسانة كما هو تماما، تملك فكرا وشعورا يدلانها على الطريق الصحيح والخيار الصائب؟
بعد مشاهدة هذا الفيلم، قد تدخل في حالة من الكآبة والبؤس والتشاؤم في أن مثل هذا اليوم لن يأتي أبدا، ولكن إن أعدت التفكير في قصة الفيلم، ستجد أن بطلة الفيلم كانت في النهاية قادرة على مواجهة أكثر المحرمات خطورة في المجتمع العربي، وبالتالي، فالأمل موجود في أن يصبح مثل هذا اليوم حقيقة واقعة.
يحكي فيلم "أخضر يابس" قصة إيمان، فتاة مصرية ملتزمة دينيا ولم تتزوج برغم سنها المتقدم، وتعيش مع شقيقتها نهى. تطلب إيمان من أعمامها الثلاثة الحضور لمقابلة عريس تقدم لشقيقتها، ولكن كلا منهم يقدم عذرا حتى لا يأتي. تعيش إيمان حالة من القلق بسبب انقطاع دورتها الشهرية، وحالة من الانعزال بسبب تراكم المسؤوليات عليها، وحالة من الحزن لشعورها بالوحدة في هذه الحياة.
الفيلم تغلب عليه روح الصمت، فهناك هدوء المكان، داخل منزل إيمان ونهى، وهنالك السكون الداخلي الذي تعيشه إيمان بسبب تضارب الأفكار والظروف التي تعيشها. كما أن الألوان التي خيمت على الفيلم كانت ألوانا رتيبة باهتة لا حياة فيها.
وبرع الفيلم في تقديم شخصية الفتاة المكسورة، إيمان، التي ترى في نفسها قادرة على تحمل جميع مسؤولياتها تجاه نفسها وتجاه شقيقتها (ماديا على الأقل)، ولكن تقاليد المجتمع البائسة تمنعها من أن تكون مستقلة وقادرة على تحمل العبء العائلي، وهو ما تمثل في ضرورة وجود "ذكر" من العائلة ليقابل العريس القادم.
الفيلم قدم فكرة مهمة أيضا، فمن يقف ضد استقلالية المرأة وقدرتها على تحمل مسؤولياتها، قد لا يكون الرجل فحسب، بل قد تكون بنت جنسها: امرأة أخرى. وهو ما تمثل في دور نهى، شقيقتها، الكسولة، التي لا تبالي بمشاعر شقيقتها، وتعبها، وكل جهودها التي تبذلها لأجلها. كما بدا ذلك واضحا من خلال شخصية زوجة العم، التي تحرض زوجها على عدم مساعدة الفتاتين، وعدم تحمل مسؤوليتهما.
في الوقت نفسه، حرص الفيلم على ألا يقدم شخصية الرجل بمظهرها المتطرف، أي المتجبر، المتسلط طول مدة الفيلم، فهناك شخصية العم الثالث، الذي برغم مرضه وتعبه يوافق على الحضور عند زيارة أهل العريس لمنزل إيمان ونهى، إضافة إلى شخصية الرجل الذي تعمل لديه إيمان، والذي حرص على أن تأخذ مما لذ وطاب من المأكولات لتقديم الضيافة لزوارها، ولعبه دور الأب الحنون لها في ظروفها.
الفيلم عبر عن حالة يأس تعيشها نسبة كبيرة من النساء في مجتمعنا، تنهيها إيمان بشكل مفاجئ (لن نكتبها حتى لا نكشف نهاية الفيلم)، وهو في الوقت ذاته يسلط الضوء على تفاصيل لا تغطيها القوانين والتشريعات، ولكنها تبقى عقبة في وجه استقلالية المرأة.
ولا بد من الوقوف عند أداء الممثلين، وخصوصا البطلة الرئيسية، أسماء فوزي، التي استطاعت بتعابيرها، وصمتها تقديم شخصية إيمان بعمق، كما انعكست الكثير من مفردات المكان ورموزه على شخصيتها، فكانت السلحفاة التي تعيش معها في المنزل رمزا لبطء حياتها، وحديقة الصبار الخارجي رمزا آخر للتحديات في حياتها، وصبرها في الوقت ذاته على كل ما تمر به من ظروف.
ويقول المخرج محمد حماد مخرج فيلم "أخضر يابس" إن العمل يعد تجربة خاصة لم يهدف من خلالها للكسب التجاري، بقدر تقديم عمل يمثل مصر في كبرى مهرجانات العالم، وهذا حدث بعد حصوله على جائزة أفضل مخرج من مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الأخيرة، وأن ردود الأفعال التي تلقاها الفيلم هناك فاقت توقعاته بكثير.
ومن جانبها قالت منتجة الفيلم خلود سعد إنها منذ بداية قراءتها للعمل تحمست بشدة لتقديمه، كونه يقدم شكلاً جديداً ومختلف للسينما، مشيرة إلى أنها طمحت وحلمت بتقديم عمل سينمائي يكون له تواجد عالمي في كبرى المهرجانات، وتحقق هذا على أرض الواقع، لافتة إلى أن العمل متوقع له أن يحقق نجاحاً جماهيرياً عند طرحه بدور العرض السينمائية أيضا، لأنه ليس فيلما للمهرجانات فحسب أو يقدم فكرا فلسفيا، لكنه يتلامس مع فئات مجتمعية بسيطة نتعايش معها الآن.
وأوضح المنتج المشارك والموزع محمد حفظي أنه لم يتردد في دعم الفيلم والمشاركة فيه، عندما سمع عنه كلام جيد للغاية، لافتا إلى أن أكثر ما جذبه هو تقديم فكر سينمائي مختلف، يعتمد على وجوه شابة وجديدة موهوبة سواء في الإخراج أو الإنتاج أو التمثيل، والدليل حصوله على عدة جوائز من مهرجانات عالمية كبرى.
قالت الفنانة الشابة هبة علي بطلة فيلم "أخضر يابس"، إنها تحلم بتحقيق الكثير على المستوى المهني خلال الفترة المقبلة، والتواجد بأفلام تكون على قدر من الأهمية للمجتمع، معربة عن سعادتها بأن تكون أولى محطاتها الحقيقية للجمهور من خلال فيلم "أخضر يابس"، ومع مخرج موهوب مثل محمد حماد، وأضافت هبة أن فيلم "أخضر يابس"، كان بمثابة حلم لكل القائمين عليه، بما فيهم هي، بخاصة في ظل عدم وجود منتج يمول العمل، لكن بإرادة الجميع وعلى رأسهم المخرج محمد حماد والمنتج المشارك خلود سعد، تحقق هذا الحلم وأصبح واقعا نعيش فيه ونسعد به، معربة عن أمنياتها أن يعرض الفيلم جماهيريا خلال الفترة المقبلة، ويحقق نفس النجاح الذي حققه بالمهرجانات التي نافس فيها وأن الدور الذي لعبته وهو عبارة عن الفتاة المنكسرة التي تعاني من ظروف مرضية وحياتية ومادية حادة، وانشغالها التام بشقيقتها الصغرى في الوقت الذي لا تجد فيه من يرعاها هي، نابع من شخصيات نسائية موجودة كثيرة في الواقع المصري، معلقة: "سعيت لأكثر درجة بمساعدة المخرج محمد حماد، أن أكون أقرب إلى الواقع في تقديم هذه الشخصية حتى الرتابة والهدوء في عرضها على الشاشة كان أمراً مقصوداً، كي نقدم هذه الفتاة بكافة تفاصيلها حتى الصغيرة منها.