في اليوم الثاني من فعاليات أيام بيروت السينمائية تم عرض فيلم "آخر واحد فينا" the last of us للمخرج التونسي علاء الدين سليم في سينما ميتروبوليس آمبير صوفيل-أشرفية بالتعاون مع NAAS.
الفيلم من النوع الروائي الطويل، غاب عنه الحوار فهو سيناريو صامت، لكن اخترق هذا الصمت الموسيقى التصويرية وبعض الأصوات بينها أصوات طبيعية من شتاء ورياح من تنفس وصراخ الألم.
علاء الدين أعادنا في سياق فيلمه إلى الرجل البدائي فذكرنا بحقيقتنا البشرية الأساسية التي لم تكن تمتزج بالصراعات التي تعددت أنواعها بين المادية والحدودية بين الدول والقانونية وغيرها، الرجل البدائي الذي لم يعاني من حواجز أمنية وتأشيرات دخول وتهجير قصري بسبب الحروب والدمار.
وعالم آخر من الجمال النظري قدمه الفيلم بتقنيات رائعة فعرّفنا على الطبيعة بغوص من نوع خاص في أعماقها، وعلى الصحراء بكادر خاص يمزج بين معاناة الإنسان ورمالها الجافة.
الفيلم يتمحور حول "نون" (الممثل جوهر السوداني) وهو شاب يعبر الصحراء ليصل إلى شمال أفريقيا ويعبر بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، لكنه يقع ضحية عملية سطو في الصحراء ليجد نفسه وحيداً في تونس، حاملاً حقيبته، لكنه لا يستسلم فيسرق قارباً ويهرب في البحر الأبيض المتوسط ليصل به الأمر إلى غابة ينعزل فيها عن العالم ويواجه فيها قساوة الطبيعة وخيرها ويلتقي فيها برجل هو الممثل فتحي العكاري.
الشاشة تحولت لسوداء لتتخللها كلمات عبر فيها نون عن نفسه بعد رحلة من اليأس والوحدة والصمت والمعاناة، وإنها ليست مشاعر نون وحده بل كل شاب فقد الأمل بمستقبل أفضل يتخلله التغيير نحو الأفضل في مجتمعاتنا.
المخرج تمكن في العمل من أخذنا إلى عالم نعطي فيهم المهاجرين غير الشرعيين حقهم، في ان تكون تسميتهم أناس أحرار، يأبهون فقط بمعاناتهم البشرية وليس بقوانين الدول.
إنه العمل الروائي الطويل الأول لعلاء الدين سليم، العرض العالمي الأول له كان في مهرجان البندقية 2016، وهناك حصل على الأسد الذهبي لأفضل فيلم، كما نال جائزة أفضل إضافة تقنية في فيلم طويل.
وأوضح علاء لموقعنا أنها المرة الأولى التي يتواجد فيها في بيروت.
وتابع عن الفيلم انه لا يتناول رسالة معينة ولا يرى أن الفيلم السينمائي من الضروري أن يحمل معه رسالة بل يتيح للمشاهد فرصة رؤية عالم آخر، وتابع أن الفيلم هو نوع من الرحلة.
وأضاف أن العمل يتعلق بحرية الإنسان في التنقل، ويرى أن الإنسان حين لا يتمتع بحريته في التنقل فإنه امر غير عادي.
كما يتعلق الفيلم على حد قول علاء الدين بأمر نعيشه في تونس وهو الهجرة غير الشرعية.
وعن معالجة الفيلم ذكر علاء الدين أن المعالجة انطلقت من موضوع واقعي يتعلق بالهجرة غير الشرعية وانتقل نحو عالم آخر موجود في السينما.
ويعتبر ان الفيلم لا يرضي بالضرورة جميع أذواق المشاهدين بل هو موجه للمشاهدين الذين يهتمون بهذ النوع من الأعمال.
ويقدر علاء الدين الجوائز التي نالها العمل معتبراً أنه أمر مفرح ويشجعه على المزيد من الأعمال.
وشرح خلال حديثه بعد عرض الفيلم أن فريق العمل تألف من حوالى الـ12 شخصاً، وتم التصوير في وقت ضئيل جداً، والفيلم إنتاج مشترك بين مجموعة من الشركات والأشخاص.
من جهته، مدير البرمجة بالمهرجان ربيع الخوري قال أنه عندما انطلقت جمعية بيروت دي سي بهذا المهرجان، كان الإنتاج المستقل في العالم العربي أقل من الآن، وبالتالي كان يتم الحدث مرة كل سنتين نظراً لعدد معين من الأفلام، لكن هذا العام مع كل الصناديق المفتوحة للمخرج العربي بات هناك افلام عربية أكثر وتتزايد وتشارك في مهرجانات عربية وعالمية.
وذكر أن الدورة الحالية تتضمن 54 فيلماً، هي بين أفلام روائية ووثاقية طويلة وقصير ومتوسطة الطول، أفلام تحرير وأفلام تجريبية، "واحببنا من خلال المهرجان ان نظهر إلى أي مدى السينما العربية متنوعة".
ويرى ربيع أن كل الاحداث التي تحصل حولنا تعنينا وبالتالي فإن بسبب تفاعلنا مع هذه الأحداث أحببنا ان تكون سينما الهجرة وسينما المنفى مواضيع هذه الدورة من المهرجان.
وتابع أن هذه المواضيع نتعرف عليها من منظار فني لنرى كيف يتعامل المخرجون مع هذه المواضيع.
تجدر الإشارة الى أن المهرجان هو بدورته التاسعة ويستمر حتى 24 من الشهر الجاري.