لا يختلف اثنان على موهبة منى طايع، تلك الكاتبة التي تظهر وجهاً حقيقياً نابضاً بالواقعية للمجتمع اللبناني، الذي يرزح في جانب كبير منه تحت وطأة المشاكل على غرار الكثير من المجتمعات.
منى طايع الكاتبة التي أدركت جيداً كيف تبعث في شخصياتها طباع البشرية الحقيقية من دون مواربة، إنما بشكل منمق يليق بذهن المشاهد العربي لترقى بنصوصها بغية الوصول إلى مكانة مرموقة للدراما اللبنانية مقارنة مع الدراما العربية.
منى طايع تدرك كيف تصف الشخصيات بكثير من السلاسة التي تنتمي إلى السهل الممتنع معولة على حبكة غالباً ما تترك المشاهد في حيرة التحليل بحيث يعجز عن توقع النهاية.
منى طايع التي تغوص في الأعماق ليبدو نصها على درجة عالية من العمق الذي يليق بعاداتنا وتقاليدنا، تعتبر من أكثر الكتاب الذين يرفعون من قدر المرأة واحترامها على الرغم من تصويرها لها في مختلف طباعها وقصصها وحالاتها.
فعلى سبيل المثال ودعماً لتحليلنا هذا نعود بالذاكرة القريبة إلى مسلسل "عشق النساء" حيث صورت المرأة المتملكة التي ترغب في امتلاك حبيبها، كما أضاءت على المرأة التي تعود وتختبر الخبر حتى في وقت متأخر لتتزوج أيضاً في سن كبيرة.
أما في مسلسل "امير الليل" فقد أسهبت منى طايع في إظهار كبر المرأة وفهمها ووعيها خصوصاً في القصة التي جمعت نغم ابو شديد وبيتر سمعان حيث سمحت له بالزواج من غيرها لأنه رزق منها بمولود طبيعي بعدما رزق منها بولد من ذوي الإحتياجات الخاصة.
كما صورت صبر المرأة المخلصة من خلال الدور الذي أسندته إلى الممثلة نهلا داوود التي رفضت الزواج من ثري تقدم لها تيمناً وحباً بالرجل الذي دخل السجن دفاعاً عنها أمام زوجها الذي كان يعنفها وكاد أن يقتلها ذات مرة. فقررت أن تنتظره سنوات ليخرج من سجنة إخلاصاً له لتتزوج منه دون سواه.
كما تطرقت منى لبنت الضيعة التي جسدت دورها روان طحطوح التي اتسمت بطيبة ليس لها مثيل فأحبت من تعرض لها بالضرب متسبباً لها بكل أنواع الاهانات ونقصد زوجها الذي لعب دوره عصام مرعب وحماتها التي أبدعت في تجسيد دورها هيام ابو شديد حجيلي. لقد أدت شخصيتها بكثير من المهنية والاحتراف مصورة من خلال منى طايع واقع المجتمع البيروتي الراقي الذي كان وما زال متعلقاً بالمظاهر إلى حد كبير جداً ونظرة الناس.
في المقابل وعلى الرغم من اتهام الكاتبة منى طايع بالحط من قدر الرجل نجدها مبدعة في تصوير شهامة الامير عمر الذي جسد دوره الفنان رامي عياش، على الرغم من كونه "رجلاً نسونجياً"، لكنه يوماً لم يعاشر امرأة متزوجة ولم يخن زوجته التي أحبها. كما صورت الرجل بصورة المساند للمرأة في السراء والضراء.
في الختام لا بد من لفت انتباه منى التي تبدع في كتابة نصوصها إلى ضرورة اختيارها المخرج المناسب لكي يوظف قصصها ونصوصها بالكادرات الصحيحة المريحة للنظر والألوان المشبعة والمشعة وايقاع التقطيع الذي يناسب كل مشهد درامي ودرءاً للوقوع في الأخطاء. فمع التطور الذي يشهده إخراج الدراما في العالم العربي، لم يعد مسموحاً اي هفوة إخراجية على الاطلاق.
في الختام كلمة حق تقال، منى طايع تفوقت على مشاكل مجتمع، بطرح مهما قرر الغوص في الأعماق يعود ليطفو زاهياً بمستقبل واعد للدراما اللبنانية التي نأمل أن تبقى راقية محصنة بين أنامل منى طايع وأمثالها.