لأننا أمسينا في زمنٍ نبحث فيه في كل الأمكنة عن إبتسامةٍ نستعيرها عساها أن تمنحنا إستراحة محاربٍ في الحياة.
لأننا أصبحنا في زمن طفرة الحاجة وشحّ القدرات، كثرة الخيبات وقلّة الأفراح، ولأن الكوميديا باتت إستنساخاً عن بعضها البعض، أردنا أن نمنح أنفسنا فرصةً أخرى في إلتقاط لحظاتٍ من الضحكة الحقيقية، فخرجنا من البحث منتصرين.
"ما في متلو" جملة مكتملة العناصر اللغوية، أصبحت بفضل فريقٍ محترف كلمة واحدة، بمعنى واحد، و مضمونٍ واحد :"الكوميديا". مسرحيّة "ما في متلو" التي تُعرض في مسرح "تياترو" في منطقة فيردان، بحلّةٍ جديدة تشبه اللحظة، تشبه الآن، تشبه الزمن الذي نعيشهُ بإمتياز. الفريق نفسه، الشخصيات المقدّمة معروفة، إنما المضمون فجديد، بنكهة العصر وطعمة الفكاهة الذكيّة.
إن أكثر ما يلفت النظر في المسرحية هو الذكاء الحاد الظاهر في نص ناصر فقيه، فالنقد أو ما يُعرف بـ "اللطشة" مطروحٌ بطريقةٍ غير مباشرة مرسلة إلى الناس مرفقة بالضحك المستمر. في أحد السكتشات، حيث تجتمع العائلة اللبنانية بطوائفها المتعددة عبر إجتماع لسكان إحدى المباني، من الحوار أو فحوى الكلام أو حتى اللكنة يمكن أن تكتشف الإنتماء الطائفي لكل واحد، صيغ السيناريو بحرفية كبيرة، قدّمت الكوميديا ولم تصل إلى التجريح أو الإستهزاء، لكن كان من اللافت جداً التلميح الكبير لإحتمال تحالف فريقين سياسيين كانا منذ نشأتهما أعداء في السياسة، وهما حالياً بمرحلةٍ تحاورية تصالحية كما سُرب منذ يوم إلى الصحافة، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على الثقافة السياسية الواسعة للكاتب.
رولا شامية، التي تنتمي إلى فئة الأقليّة بين الممثلات اللبنانيات، لأن الكوميديا إنطبعت بالذكورية ككل شيء في الشرق. حتى بالشخصيات التي سبق لرولا أن قدّمتها من قبل إستطاعت في هذه المسرحية أن تقدّمها بحلةٍ جديدة لتشعر للحظات متكررة بأنّها شخصية تُقدّم للمرة الأولى.
وهذا ما ينطبق على نعيم حلاوة، الذي يتحلّى بجرأة كبيرة بالأداء والكلام، بحيث ظهر للمرة الأولى بشخصية جديدة و هي الإرهابي، التي على الأرجح سترافقه مع الشخصيات الأخرى التي نجح بها.
أنجو ريحان، هي دينامو الفريق، حركة دائمة، لغة جسد تليق بالمسرح وأدبيات التمثيل المسرحي، إتقانٌ للنص ومتطلبات التمثيل، فهويتها الحقيقية هي الشخصية الأشهر بين الشخصيات التي تؤديها في كل مسرحية أو برنامج تلفزيوني.
أما عباس شاهين، فهو المتفاعل الأقوى مع الجمهور، يتواصل معهم في التقديم المنفرد أو standup comedy بسلاسة المُرسل، يسأل وينتظر الجواب من الجمهور، يطرح النكتة حتى بالصمت أو تعابير الوجه والجسد، كما تُشهد له جرأته الكبيرة في إدخال بعض المواضيع الدينيّة الحساسة في حواره مع الحضور.
هكذا شاهدنا الفريق، الذي يحيط نجاحه، نجاح عنصر آخر، عادل كرم، الذي يمتلك مقومات المسرح الكوميدي بقوة الخبرة وصلابة الموهبة. من يشاهده يستشعر إضافات عادل الكبيرة على النص، فالكلام كلام عادل، والشخصية شخصية عادل، والتفاعل تفاعل عادل. ضحكته على النكتة طبيعيّةٌ بفضل عفويّة الأداء، يدير المسرح وردّة فعل الجمهور في آنٍ، لا ينفصل عنهم ولا لأيّ لحظة، يرصد ضحكتهم، تعليقهم، أجوبتهم، تركيز عيونهم حتى تشعر بأن دقات قلبك كمشاهد حاضرة على مسامعه.
المواضيع الإجتماعية التي تشكّلت بقالب كوميدي، لم تخلُ من التلطيش السياسي طبعاً هنا مكمن القوة، فالناس الذين ملّوا من السياسة أعطيت لهم فرصة "فشّة الخلق" بالسكيتشات الإجتماعية المطعّمة بالقليل من المعاني السياسية.
هم المعروفون طبعاً بحكم التلفزيون والمسرح، يُشاركهم النجاح جندي مجهول –معلوم، وهو المنتج طارق كرم المؤمن بالفريق إلى حدّ المغامرة والإبداع.
"ما في متلو" فريق كوميدي لم يكرر نفسه، لم يبتذل الكوميديا، لم يخذل الناس، أعطانا أغلى ما نبغى في هذا الزمن وهي الضحكة. فعلاً "ما في متلن".
لمشاهدة كامل ألبوم الصور اضغطهنا