من منّا لم يسمع أغنيات الراي التي إستطاعت أن تدخل بيوت كل العرب والعالم لا سيما في بداية التسعينيات التي تُعتبر الفترة الذهبية لهذا النوع من الغناء. كثير منّا يسمع الراي ويدندنها من دون أن يفهم كلماتها الجزائرية التي أدخلت عليها فيما بعد بعض الكلمات الفرنسية والإنكليزية عندما بدأت تشهد رواجاً على الصعيد العالمي. لكن ما معنى كلمة الراي؟ وكيف بدأ هذا النوع من الفن؟ وهل هو جزائري الأصل أم مغربي؟ ولم يُطلق على مغني الراي لقب الشاب والشابة؟ وكيف وصل إلى العالمية؟
يعود إسم الراي إلى الرأي ، وتتضمن هذه الأغنيات تعبيراً عن الرأي بالقضايا الإجتماعية والوطنية ، ودخلت بعض المواضيع العاطفية إثر إنتهاء الإحتلال الفرنسي للأراضي الجزائرية سنة الـ 1962.
وقد أكد بعض الباحثين في الأغنية الرايوية أنّ أصول هذا الفن تعود إلى القرن الثامن عشر أي إلى زمن التدخل الإسباني في المغرب العربي. لكنُه عرف على نطاق واسع في العشرينيات من القرن العشرين في الغرب الجزائري الذي إشتهر بالشعراء الملحونين والأغنية البدوية أمثال الشيخ حمادة، وعبد القادر الخالدي في القطاع الوهراني خصوصاً والغرب الجزائري عموماً هي منطقة الراي الرئيسية وكانت مدينة سيدي بلعباس السباقة في تطوير الراي.
ونشهد اليوم عبر مواقع التواصل الإجتماعي إختلافاً في الرأي حول إذا كان الراي أصوله جزائرية أو مغربية. والراي نشأ كما ذكرنا في الغرب الجزائري بالإضافة إلى الشرق المغربي في الفترة التي لم تفصل بين هذه المدن أي حدود. لكن من المؤكد أنّ الجزائريين هم من ساهموا في تطوير الراي وإيصاله إلى العالمية.
ويتساءل البعض عن سر تسمية مغني الراي بالشاب والشابة، وفي الحقيقة هذه التسمية بدأت في أواسط السبعينيات، وكان يُعرف مغنو الراي بالشيخ والشيخة وذلك تعبيراً عن إعتراف الجمهور بقيمة المغني والمغنية ووصولهما إلى قمة الفن. لكن مع الثورة التي شهدها الراي تم تعديل إسم المغني من الشيخ إلى الشاب الذي يعبر عن تفكيرهم ويليق بسنهم أكثر بما أنّ الشيخ يعني الكبير في السن. وأول من حصل على لقب الشاب هو الشاب خالد وذلك بداية الثمانينيات حيث كانت هناك مسابقة للمطربين الشباب في التلفزيون الجزائري.
الراي كان لغة الأغاني البدوية ، وهي قريبة من اللهجة البدوية العربية، ومواضيعها تتطرق إلى المديح الديني وبعض المشاكل الإجتماعية التي عانى منها الشعب الجزائري، وفي فترة الإستعمار الفرنسي كان التركيز في المواضيع على المآسي من هذا الإستعمار على الجزائرين وتسعى إلى توعية المستمع. وحقق الراى تطورات على صعيد الموسيقى ساهم في زيادة عشاق هذا الفن وذلك من خلال إدخال بعض الآلات الموسيقية العصرية، ومع هذا التطور بدأ الراي ينفصل عن الشعر الملحون الذي عُرف به.
شهد الراي بعض الملل بعد إستقلال الجزائر، خصوصاً أنّ المواضيع التي كان يتطرق إليها لم تعد تجذب المستمعين، لذا إنتقل إلى مواضيع جديدة وأبرزها العاطفية ، لذا أصبح يُعرف بالفن الممنوع نظراً للجرأة الكبيرة على صعيد الكلمات التي كانت تستخدم، وأصبحت محظورة في البيوت الجزائرية بعد منعها عن الإذاعات والتلفزيون. لكن بعد سنوات قليلة تم تحسين الكلمات عن طريق بعض المغنين وأبرزهم الراحل الشاب حسني الذي كان سبباً في إعادة الراي إلى البيوت من خلال أغنياته التي حققت نجاحاً كبيراً ليصبح اليوم بعد رحيله في سن مبكرة معروفاً بالأسطورة.
في الثمانينيات ظهرت فرقة موسيقية جديدة تحت إسم "راينا راي" من مدينة سيدي بلعباس، ساهمت في نشوء منافسين شرسين لها على الساحة خصوصاً بعد إنتاج برامج غنائية قامت بتخريج مواهب فنية جديدة، وشهدت هذه الفترة إنطلاقة فعلية للراي حيث تم إدخال بعض الآلات الموسيقية العصرية كـ"الساكسو" و "السانتي" كما إنفصلت عن الشعر الملحون بعد إدخال بعض المصطلحات الإجتماعية.
أما العصر الذهبي للأغنية الرايوية فكان في التسعينيات مع خالد حاج ابراهيم الذي عُرف بـ"الشاب خالد" حيث ساهم في إنتشار الراي إلى العالمية بعد أن إلتقى بمنتجين في فرنسا نشروها في أوروبا والعالم، وكانت أغنية "دي دي" الأكثر شهرة ونجاحاً في ذلك الوقت. الشاب خالد ليس الوحيد الذي ساهم في إنتشار الأغنية الرايوية عالمياً، بل كذلك الشاب مامي المعروف بـ"أمير الليل"، والشاب حسني "الأسطورة"، وفضيل ورشيد طه وبلال وغيرهم.