في جلسةٍ لبنانيّةٍ على خرخرةِ صوت قرعة المتّة وجَمعة الخبز والملح إلتقينا في منزل الدكتور جمال أبو الحسن.
في منزله كل أنواع الفن مباحة، فنّ الغناء والموسيقى، فن الرسم والفلسفة، وعمق الكلام عن هذه الحياة وما ورائياتها . بدأت جلسة التعارف بفنّ الحديث الصادم البنّاء، لنُكمل بفن الصوت الذي تذوب له أوتار العود، ومن ختامها مسك بفن الحوار لموقع "الفن".
هي نسرين حميدان، فنانةٌ تعشقها الروح قبل الأذن أحياناً.
كيف تعرّفين الناس عن نفسك؟
أنا نسرين حميدان، لا أحب الألقاب التي دائماً يطلقونها عليّ، أفضّل لصوتي أن يتكلّم عني.
ما الفرق بين المغنّية والمطربة؟
المطربة حكماً مشتقّة من كلمة طرب، وهو الفعل الذي ينقلك إلى حالة معيّنة وهي النشوة الفكريّة، حالة سرور وسعادة . الطرب هو حالة فكريّة وروحية. أما المغني فهو المؤدّي.
لنعد سوياً إلى الوراء، متى قالت نسرين لنفسها، الفن جزء من كياني سأخوض غماره؟
كان عمري تسع سنوات حين إكتشفني ناظر سابق ومدير حالي للمدرسة التنوخية في منطقة "عبيه" . فطلب مني أن أغنّي على المسرح، غنّيت للسيدة ماجدة الرومي "طيري طيري يا عصفورة" . حينها شجّعني والدي كثيراً على الغناء في كل جَمعة وكنت أشعر بإنزعاج كبير في حال أخطأت في الغناء بالرغم من أنني لم أكن أعلم أيّ شيء عن الموسيقى لكنني كنت أشعر بالخطأ. لذا قررت حينها أن أصقل موهبتي وأتعلّم الموسيقى في معهد مختص. درست الموسيقى طوال حياتي، لكنني الآن إتخذت القرار بتعهّد الموسيقى في حياتي لكي توصلني إلى مبتغاي.
لماذا الآن؟ لماذا إحتجتِ إلى كل هذه الفترة الطويلة؟
الآن إقتنعت بالذي أملكه وما وهبني إياه القدير، فموهبتي ليست ملكي هي ملك للناس. أدركت بأن هذه هي مسؤوليتي فقررت أن أتعهّدها.
لاحظت بأنكِ لا تكترثين للشهرة، هل تعتبرين أن هذا الأمر هو تكتيك معيّن؟
لا تعنيني الشهرة وهي ليست أساسيّة، أحب الناس وأحب أن أغنّي لهم لكي يفرحوا، فعندما تمتلك الموهبة تشعر كأنك تمتلك الدنيا بأكملها. المال هو ماديّ أما النعمة التي تمتلكها لا تُقدّر بثمن. لذا لم أسع يوماً إلى الشهرة، لكنني أحب للشهرة أن تأخذ حقّها ، أفضّل أن أكون وسيلة لإسعاد الناس وهذه نقطة أهم.
عندما تشاهدين بعض الفنانين على التلفزيون ممن يمتلكون موهبة أقلّ من موهبتك بكثير لكنهم يملكون بالوقت عينه ما يكفي من الشهرة والمال والمجد، هل تشعرين بالغيظ؟
لأول وهلة نعم، لكن أحلل الفكرة على وجه السرعة وأكتشف الحقيقة.
ما هي الحقيقة؟
هي أن الوقت لم يحن بعد. ولكي نصل إلى أيّ شيء يجب أن نكون على كامل جهوزيتنا. يجب أن نبقي هذه الفكرة دائماً في البال. فنحن نقوم بتربية موهبتنا كأنها طفل صغير، يجب أن نصبر عليه لكي يكبر و يحين موعد النضج.أنضج عندما أصبح جاهزة لتحمّل مسؤولية نقل الفرح والثقافة للناس بشكلٍ صحيح.
هل شعرت باليأس بعد أيّ خيبة أو نقص بالإنتاج و الدعم المالي؟
أنا لا أستسلم أبداً، الفكر الإيجابي هو الذي يحملني معه، لذا أنا لا أتعب أو أشعر باليأس.
منذ فترة دُعيت لإحياء حفل في طرابلس، ما هي تفاصيله؟
وجّهت إليّ الدعوة من قبل الوزير السابق سامي منقارة في جامعة المنار، طلبوا مني أن أحيي سلسلة من الحفلات، آخرها كانت حفلة "من العمر" مع أهالي طرابلس الرائعين، إنهم ذوّاقة فعلاً. فنحن حين نغنّي نخاطب بالفعل نفس الطفل الكائن في كل شخص، لهذا السبب نتصرّف بعفوية بعيداً عن إصطناع اللحظة عندما نكون سعداء. لذا فإن من يرقص ويفرح هو الطفل الكائن في الناس. إن الحفل في طرابلس أختصره بجملة واحدة "لحظة طفولة رائعة".
إلى أيّ مدى تجدين تجاوباً من الجيل الجديد مع الأغاني الطربية كأغاني عبد الوهاب و أسمهان وغيرهما؟
الجيل الجديد يتلقّى أيّ شيء يُعطى له بالطاقة الإيجابية، بصدق وإبتسامة. المهم هي طريقة الطرح، على سبيل المثال، يمكن أن أقول لك جملة مؤذية لكن بأسلوب لطيف حينها لن تتأذى. الفرح هو الاساس، الله هو فرح مطلق لذا يجب أن نفرح ونُفرح من حولنا.
كانت لديك تجارب مسرحية، أطلعينا عليها.
التجربة المسرحية عُرضت عليّ أساساً لكوني مغنيّة، و من يغني يمتلك توقيتاً سليماً جداً، أيّ إحساساً دقيقاً بالوقت. و بالتمثيل يُعدّ الوقت أمراً مهماً جداً، كذلك تضطر أحياناً لإرتجال اللحظة، فكوني موسيقيّة دخلت غمار التمثيل المسرحي.
مع من؟
مع السيدة نضال الأشقر بمسرحية "قدام باب السفارة الليل كان طويل" ، التي عالجت موضوع العذابات التي يمرّ بها اللبنانيون في السفارات سعياً وراء الهجرة. من بعدها شاركت الدكتور جواد الأسدي مسرحية من كتابة محمود درويش بعنوان "لماذا تركت الحصان وحيداً" وهي تتناول موضوع القضية الفلسطينية وعذابات الشعب الفلسطيني. إرتديت في المسرحية العلم الفلسطيني وقد إرتجلت الكثير من "الندب" العراقي. و من بعدها شاركت بمسرحية ثالثة للدكتور الأسدي ومن كتابة "بول شاوول" لم يكن دوري أساسياً، كانت تجارب رائعة.
هل تطمحين لتكرارها؟
نعم، لكنني أسعى إلى أن أتعمّق أكثر بموضوع التمثيل لكي أحترفه.
تحضرين لسفرة إلى مصر، ما الهدف منها؟
العود هو أجمل هديّة أتلقاها في كل مناسبة، وفي أغلب الوقت يُطلب مني أن أعزف على العود وأنا أغنّي، أحاول أن أهرب منه، درست فن العزف على العود لكنني لا أمارس العزف بشكل يومي، لذا سوف أسافر إلى مصر عند الأستاذ نصير شمّة العازف العراقي العالمي، تعرّفت إليه عندما تلقيت جائزة من دار الأوبرا المصرية، طُلب مني أن أبقى وأتابع دراسة العود لكن بوقتها كانت لدي ألتزامات في لبنان، أما اليوم فسأسافر لكي أتقن المدارس الثلاث للعود: العراقية، المصرية والتركية. و أتعلّم كل ما يلزم عن مقامات العود كما أنني سأدرس مواد مهمة للصوت والتجويد.
هل ممكن أن يخيّب الفن ظنك في يومٍ ما؟
الفن بحد ذاته لا يخيّب الظن أبداً، هو وفيّ جداً.
كلمة أخيرة .
نصيحة للجميع، كل ما تعملونه بالحياة حققوه بصدق، كونوا صادقين مع أنفسكم. الأمور التي لا تحصلون عليها الآن، لم تحصلوا عليها لسبب وستأتي ساعة يتحقق فيها ما يجب أن يتحقق. شكراً لموقع الفن وللإعلامية هلا المر.