إن من أكثر ما تعاني منه الدراما اللبنانيّة، هو إنضمام كثيرين إليها للهدف وليس للنتيجة. كُثر ممن أطلق عليهم "الأمر الواقع" و "جيبة المنتج" لقب ممثل، إعتنقوا التمثيل بحثاً عن شهرة دون أن يندروا المهنة شغفاً وإندفاعة عقل وقلب. منهم من قرر التمثيل سعياً لسجادةٍ حمراء وفلاشات كاميرا صحافيّ، ومنهم من إستغلّ براءة التمثيل ليفتح لنفسهِ أبواب "الأعمال الأخرى" التي تدرّ عليه خيرات سهرات الليل وخيبات الصباح. أما رودريغ سليمان، فهو من يمثّل للنتيجة وليس للهدف وهنا مكمن القوة عند هذا الممثل المتميّز.

من أهم ما يتمتّع به هذا الإنسان الموهوب، هو تكتيك النَفَس الطويل، أيّ أنه لا يضعف إيمانهُ أمام أيّة فرصةٍ تمثيليّة مهما كانت، ليستغلها سعياً للظهور ولا شيء غير الظهور، وإنما يرفض كل ما لا يشبه روحه وعمق تفكيره. لأنه يمتهن مهنة حياة وليس مهنة "مصالح" ، فهو لو أراد الشهرة فقط ، لكان إتّبع سياسة الـ matraquage أيّ تكرار الظهور إلى أن يدخل عنوةً في لاوعي المشاهد ويصبح صورة ثابتة في مذكرته بغض النظر عن مدى نقاوة هذه الصورة.

ثانياً، لا يعيش رودريغ عقدة طول الدور أو قصره، لأنه يستثمر في دقائق السيناريو القليلة الكثير من مقدراته الداخلية، ويجني منها أرباح الموهبة الوافرة، ففي فيلم "رصاصة طايشة" ومسلسل "الخلد" أثبت رودريغ أن الدقائق تصبح معه ساعات من قوة الحضور وروعة الأداء.

ثالثاً، عرف رودريغ لعبة الأقنعة الثلاثيّة لـ "ديونيسوس" من ضاحكٍ، باكٍ ومحايد، فقد أظهر من خلال دوره في مسلسل "مش أنا "، نجاحاً في نكء جراح كل واحدٍ منا، أخرج منا كل ما كنا قد كبتناه من أجل نفاق المجتمع أو عيب الدمع والأسى، الزوج المكسور والأب المحبط والصديق المساند على قدمٍ واحدة، فهو يسند الصديق ويسند عليه في آنٍ معاً . هو نفسه رودريك الراسم الجيّد لإبتسامةٍ عانقت ثغرنا في مسرحية "سمير و ميشيل" بثنائيةٍ مسرحية مع الموهوب الآخر "هشام حداد".

رابعاً، إن خرّيج المعهد العالي للسينما ، هو مصاحبٌ دائم لخشبة المسرح، يعرفها وتعرفه، يصارحها بحقيقة الفكر ومضمون الشخصيات الخارجة من أوراق كاتب حالم.

إن النفَسَ الطويل لرودريغ سليمان أخذ مدى عقد من الزمن تقريباً ، وهي مدّة كافية لتصقل موهبته وتنضجها على نارٍ خفيفة من لهيب حب التمثيل. وقد أثبت في الفيلم الأخير الذي شارك فيه "بالحلال" ، عن موهبةٍ صارخة ، تخرج من حركة عيون ونظرات تنطق بمحتوى السيناريو قبل أن يحكيه بلسانه. حركات الجسد في كل مشهدٍ تتطابقُ مع مضمون الكلام وفحوى المعاني، غضبه حقيقي، فرحه حقيقي، إنكساره حقيقي، تمثيله حقيقي كالحقيقة .

قلائل هم من يقفون أمام الكاميرا من دون الإنكسار أمام شهوات شهرتها، قلائل هم من ترتدي أرواحهم الدور ولا يمثلونه فقط، قلائل هم من يأخذون التمثيل بجديّة الطموح والمهنيّة ، ورودريغ من بين هذه الأقليّة.