معاناة المسرح العربي نشأته الزائفة وتغييب المنهج الأكاديمي" عبارة تختزل كل مظاهر الانحطاط الفني والثقافي في المجتمعات العربيّة وهو عنوان ندوة المخرج والباحث اللبناني البروفسّور طلال درجاني التي استضافتها كليّة الاستشراق في جامعة كييف الوطنيّة- تاراس شيفتشنكو في 23 أيّار 2016، حيث ناقش هموم أمّته المسرحيّة مع طلاب كليّة اللغات وفنانين ومثقّفين وأكاديميين من كل العالم.

وكان درجاني قد أطلق صرخته الأولى في وجه الانتحال المسرحي وتزوير تاريخنا الثقافي، حينما قدّم بحثه "ذهنيّة الاحتيال في المسرح" الذي كشف فيه ولأوّل مرّة في تاريخ المسرح العربي عن تفاصيل النشأة الزائفة لهذا الفن بعدما ذهب إلى فضح المغالاة في اعتبار مارون النقّاش رائداً، بالإضافة إلى فضح الخلل المستشري في الأصرحة الأكاديميّة، والمتمثّل في غياب المناهج والنقص الحاد في صفوف الأساتذة ذوي الاختصاص والكفاءة.

إلا أن ابحاثه استمّرت وتعمّقت لتطال كذلك دراسة وتحليل أعمال من خلفوا مارون النقاش كمحمد عثمان يوسف جلال وأبو خليل القباني وغيرهم ممن اعتبروا روّاداًً أو أعلاماً للمسرح العربي.

أمّا ما خلصت إليه تلك الدراسات فهي حقيقة جليّة وان كانت صادمة تتعلّق بهشاشة تجربة أولئك بعدما فشلوا في تشكيل مرجعيّة علميّة أو حتى قاعدة بدائيّة نظريّة أو تطبيقيّة للفن المسرحي في أي من مجالاته إن في الإخراج أو التمثيل أو الكتابة أو السينوغرافيا.

ولأن البروفسّور درجاني لا يبحث عن النقد العقيم وإنما عن الاصلاح الجذري والبنّاء، فقد انطلق في سلسلة ندوات بدأت في بيروت وامتدّت إلى العواصم العربيّة والعالميّة، حيث يقوم بنشر أبحاثه ومناقشتها مع كل فنّان ومثقّف ملتزم، بهدف خلق الحالة المطلوبة من الوعي الفكري والفنّي القادر على التأسيس لنهضة حقيقيّة قائمة على المعايير العالميّة والإبداع المثقّف المتسلّح بالمعرفة والمهارات الأكاديميّة.

وأهم ما يشدّد عليه درجاني في كل لقاءاته هو مسؤوليّة الجامعات والمؤسّسات الأكاديميّة العربيّة في مساهمتها في النهضة الملحّة، وذلك عبر اعتمادها المناهج العالميّة ذات اللغة العلميّة والاعتناء الفعلي والفعّال بالنشاطات البحثيّة القيّمة.