كم يحتاج لبنان اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الإبداع الفنّيّ في ظلّ ما نشهده من انحطاط على المستويات كافة. أمّا الفنّ فهو أسمى إنتاج حضاريّ يقدّمه الإنسان في عمليّة تطوّره وإبداعه وخلقه للجمال. وللجمال مبدعوه لولاهم لكانت الحضارة الإنسانيّة باهتة وميتة. فكيف إذا كان هذا الفنّ الجميل هو الأوبرا التي نشأت في إيطاليا في مرحلة الـ renaissance فكانت أبهى ما قدّمه الفنّ الغربيّ من موسيقى أوركستراليّة ونصوصٍ عظيمة لمؤلّفين كبار. فالأوبرا هي إمتزاج الكلام بالموسيقى فالصوت. وهذا ما ستطلقه شركة أوبرا لبنان وهو أوبرا "عنتر وعبلة" أول أوبرا مغنّاة باللغة العربية وفق منهج موسيقيّ أكاديمي معتمد في الكونسرفتوار الوطني اللبناني. هذه الأوبرا الفريدة من حيث مضمون الكلام ومضمون الموسيقى ستعرض على مسرح كازينو لبنان في 8 و9 تموز وسيكون بطلها الفنان غسان صليبا.
أوبرا "عنتر وعبلة" كتب نصّها الأديب والكاتب المسرحي الدكتور أنطوان معلوف مستحضراً تاريخ الفروسيّة والبطولة والشهامة وتاريخاً من الحبّ الصّادق والمخلص بين عنتر وعبلة. ويتولّى المايسترو مارون الراعي مؤسّس برنامج إنتاج الأوبرا في المعهد الوطني العالي للموسيقى قيادة الأوبرا بمشاركة أكثر من أربعين عازفًا.
أمّا بطل الأوبرا فهو الفنّان غسان صليبا صاحب الصّوت الرائع والغنيّ بالقوّة الذي عمل مع الرحابنة فكوّن خبرةً لا يستهان بها. ويشاركه عدد من مغنّي الأوبرا وأساتذته منهم السوبرانو لارا جوخدار وبيار سميا وغيره. وكورس أوبرا لبنان يتألف من ثمانين منشدا يتوزعون بالتساوي إلى أربع فرق بحسب أقسام كورس الأوبرا العالمي.
واليوم كنا على موعد مع مؤتمر صحافيّ في القاعة الزجاجيّة في وزارة السياحة، للإعلان عن اطلاق شركة أوبرا لبنان وعن حفل أوبرا "عنتر وعبلة" التي ستعرض على مسرح كازينو لبنان في 8 و9 تموز ، برعاية وزير السياحة ممثلا بمدير عام الوزراة السيدة ندى السردوك وبحضور المشاركين في العمل وحشد من الصحافيين.
بداية كنا مع كلمة ترحيب للسيدة السردوك التي قالت "هذا الحدث الفني في لبنان الحافل بالمهرجانات خلال الصيف" معتبرة انه يشكل "محطة وطنية مشرفة في تاريخ الفن والثقافة في لبنان".
وقال رئيس المعهد الوطني العالي للموسيقى الدكتور وليد مسلم "نحن امام عمل نتمنى ان يثبت نفسه في المشهد اللبناني والعربي والعالمي وامام لحظة ابداعية نفتخر بها" مضيفا انه تتوفر في اوبرا عنتر وعبلة "كل العناصر الضرورية لعمل ناجح".
واعتبر المايسترو مارون الراعي الذي يتولى قيادة الاوبرا في كلمته ان هذا "الحدث مهرجان من مهرجانات لبنان وهو سفارة لبنانية بحد ذاتها تحمل الى الخارج فنا ينتظره العرب في دور الاوبرا التي تستقبل اهم فرق الاوبرا العالمية بلغات العالم فكم بالحري ان تستقبل اوبرا بلغتها الام؟".
وقال كاتب النص (الليبرتو) الدكتور انطوان معلوف "أملي ان نكون جميعا نحن صناع اوبرا عنتر وعبلة اشبه بعابر رمى حصاة في بحيرة أحدثت دائرة صغيرة على اديم المياه ثم دائرة اكبر فاكبر حتى شملت الدائرة اطراف البحيرة الاربعة".
واكد صاحب شركة اوبرا لبنان المنتجة للاوبرا فريد الراعي "ان القطاع الخاص يمد يده لدعم الاعمال الفنية الرائدة" مثنيا على "المجهود الكبير لفريق العمل بهدف ايصال هذا العمل الى كل انحاء العالم".
وكانت الكلمة الاخيرة للفنان غسان صليبا، ابرز ابطال اوبرا عنتر وعبلة. وقال "بعد خبرتي في المسرح الرحباني العظيم يشرفني ان اشارك في اوبرا عنتر وعبلة مع أساتذة وسيدات المعهد العالي للموسيقى" معتبرا ان ميزة هذا العمل "اضافة الى اطار الاوبرا، الروح الشرقية التي تميزه". ودعا رجال الاعمال الى ان "يستثمروا في الفن باعتبار انهم كانوا عبر التاريخ الداعم الاول للفنانين".
وكانت لنا لقاءات خاصة مع:
الفنان غسان صليبا: هذا العمل هو إضافة بحدّ عينه وإضافة إلى لبنان لأنه جديد على العالم العربي لأنه أوبرا بإطار غربيّ تقدّم باللّغة العربية ولغتها واضحة جداً. فهناك قسم في المعهد العالي للموسيقى مخصّص لتعليم الأوبرا باللّغة العربية وهو أمر مهمّ جداً. وهذا العمل مختلف من ناحية النّص والموسيقى لكنّ ما يميّزه أن مؤلفي هذه الأوبرا هم لبنانيون. وأكّد أن هذا النوع من الأعمال الفنية التي يجب أن تقدّم في العالم العربي لأنها ذات مستوى عالٍ من الفن. والأهمّ أن تصل إلى الجمهور العربي هكذا أعمال راقية ومهمّة وذات قيمة والتي تتطلّب مجهوداً استثنائياً مع عمل تقنّي من قبل متخصّصين في الأوبرا. كما أهنّئ شركة أوبرا لبنان على مجهودهم وعلى هذه الخطوة التي قاموا بها فعبر التاريخ الذين دفعوا بالفنّ ودعموه هم رجال أعمال آمنوا بأنّ الفنّ هو ضرورة للشعوب وعلامة حضارية بارزة لتنمية الوعي والتّطور. كما أدعو إلى دعم هذا العمل واحتضانه لأنه على صعيد عالميّ. وأشار إلى أنّه يحضّر عملاً فنياً مع الفنان مروان خوري وسيشارك في مهرجانات تنورين متعاملاً مع الرحابنة.
الدكتور أنطوان معلوف: أتى التعاون مع شركة أوبرا لبنان في الوقت المناسب لأنّ الفنّ والأدب هما صرخة في وجه البشاعة والنفايات والنظام السياسيّ المهترئ في لبنان فيكون الفنّ المنقذ لنا فيحاول أن ينقّي القلوب والعقول التي تحكمنا فأشكرهم لأنهم سمحوا لنصّ من نصوصي بأن يصل إلى خشبة المسرح وهو نصّ عزيز على قلبي فهم جديرون بنقله إلى المسرح تحت قيادة المايسترو مارون الراعي وبدعم من رئيس الكونسرفتوار الدكتور وليد مسلّم.
المنتج الأستاذ فريد الراعي: نحن كشركة أوبرا لبنان كان لنا عملان في الأوبرا واحدة باللغة الإنكليزية وأخرى باللّغة الإيطاليّة. فنحن نركّز على أن نقوم بأعمال مبتكرة وجديدة فقرّرنا أن ننتج أوبرا باللّغة عربيّة تتطوّر منذ 160 خصوصاً أنّ في المعهد العالي لتعليم الموسيقى هناك منهج خاص لتعليم الأوبرا.
المخرجان جوزيف ساسين وميرانا نعيمة: النّص والموسيقى والإخراج تتكامل في الأوبرا فالإخراج يأتي ليوصل النّص والموسيقى. أما عن إدارة الممثّل فقد أشارا إلى أنّ وضعيّة المؤدّي الجسديّة في الأوبرا دقيقة جداً فعليه أن يبقى في وضعيّة مناسبة للصوت. وهنا تكمن الصعوبة في أن يجسّد الممثل والمؤدّي النص والموسيقى بطريقة مناسبة لصوته والإخراج. أما الحركة في الأوبرا فتحكمها وضعيّة المؤدّي ليخرج صوته بالطريقة المناسبة. وما يميّز الأخراج في الأوبرا أنّ إيقاعها موجود فيأتي دور الإخراج في إظهار هذا الإيقاع. وعن مدى انتشار هذا العمل أكّدا أنّ مضمون الأوبرا مأخوذ من رحم هذه الأرض فالتجاوب سيكون كبيراً خصوصاً لأن بطل العمل هو غسان صليبا المشهور على صعيد العالم.
السوبرانو بيار سميا: تجربتي في الأوبرا مختلفة عن البقيّة فأنا من الأوائل الذين درسوا الغناء الأوبرالي الغربي خلال فترة الحرب وكان لي الشّرف أن أشارك في وضع المنهج اللبناني للأوبرا في الكونسرفتوار وقد كنت أول حاملي شهادة مرتكزة على هذا المنهج وهو خلاصة تجارب العقود الماضية. ولبنان غني جداً بالطاقات وسيدخل هذا المنهج من خلال هذا العمل إلى العالمية ليكون المنهج الخامس في تعليم الأوبرا. وأهميّة هذا العمل أن كاتبه ومؤلف موسيقاه وفريق عمله لبنانيون. وسنكون مع أعمال أخرى قادمة تشبه هذا العمل. وهناك نصوص عديدة يمكن أن تجسّد في أعمال أبوراليّة.
المايسترو مارون الراعي: أعمالي الأوبراليّة جميعها ألّفت موسيقاها بروح شرقيّة فالإنسان ابن بيئته. فنحن تربّينا على مخزون موسيقيّ شرقيّ. هذه الأوبرا ستضع اللغة العربية بمصاف اللّغات التي تغنى فيها الأوبرا فإلى اليوم ليس لدينا أوبرا باللغة العربيّة. وقد اخترنا ليبرتو عنتر وعبلة لأنها تتضمن قصّة حبّ وإخلاص وقوّة وفروسيّة وهي عن شاعر عظيم. وعنتر موجود في ذهن كلّ منا لكنّ المستوى الثقافي المتدنّي يمنع ظهور عنتر فينا خصوصاً أننا نعيش هزيمة فنيّة في عالمنا.