وتبقى المرأة في كيانها الأنثويّ، العاصفة التي تهدر في أفق القصيدة، فتلوّن بالمطر والبرق سماءً من الكلمات وتبني للرجل عشّاً ليرتاح فيه وهو يخرطش على الورق جسدها وشعورها وحبّها والعشق.
هكذا منذ البدء ربط الشّعر كيانه بكيان المرأة، الشّغل الشاغل للرجل خصوصًا الرّجل الشّاعر. وصمدت القصيدة الأنثى في مجتمع شرقيّ لا يرى في المرأة إلاّ أداة لإرضاء رغباته الجنسية، مجتمعٍ يقمع المرأة أمّه وأخته وحبيبته وأمّ أولاده خوفاً منها وليبقى مسيطراً عليها.
انطلاقاً من وعيه لهذا الواقع، يتوجّه الشاعر روجيه ضاهرية إلى الأنثى بما تمثّله من حنان وحبّ وأمومة وعشق، يتوجّه إلى كلّ نساء العالم، شعراً صادقاً وجدانياً في كتاب يحمل عنوان "أنثى بلا جسد" ليؤكّد أنّ المرأة ليست جسداً فقط بل هي أكثر من هكذا هي النصف الآخر للرّجل وشريكته في الحياة.
في كتابه الصادر حديثاً "أنثى بلا جسد" يدعو ضاهرية امرأته إلى مائدته الشعريّة لتغرف من أساطير حبّه ما تشاء اذ يقول في مقدّمة ديوانه: "سأدعوك الليلة إلى مائدتي، تغرفين من أساطير عشقي ما تشائين." فالشاعر هنا يهدي كتابه إلى حبيبته مغمساً قلمه بحبر القلب الذي لا يجفّ، عشقاً حيناً وشوقاً حيناً آخر وغزلاً أحياناً أخر.
يقول الشاعر "لا تبتعد عني حبيبي، أعيش في دوامة الشوق، إبقَ جنبي، فأنا أحتاجكَ وأشتاقكَ في كل لحظة من عمري..." يبدو الشاعر في حالة حبّ عميقة وهو يحتاج إلى هذا الحبّ يحتاج إلى الحبيبة التي تعطيه معنى لحياته وتشعره بالأمان.
ثمّ إنّ الحبّ بعض عتابٍ "ما ذنبي إن كنتِ تعيشين في ذنوب الأمس.. ما ذنبي إن كنتِ تتمنين لو كنتِ بالأمس..." في هذه التعابير نجد ألماً يعتصر وجدان الشاعر وعتباً وحرقة لأنّ الحبيبة تعيش في ذنوب الماضي لكنّ هذا الذنب الذي تقترفه يغتفر إذا ما سمعت قلبه الذي يناديها "ذنوبك تغتفر في ذنبي لو كنتِ تسمعين همس قلبي."
وعليه تتنوّع القصائد في الكتاب بين أنا الشاعر التي تعشق حتى الألم وبين أنثاه التي يدعوها إلى مائدة حبّه وإلى أن تثور على واقعها "تكبتين مشاعرك، تستترين خلف المرآة، تنسين أنوثتك... وأنتِ ما زلتِ أنتِ، تعلمين أن الحياة واحدة لن تعود... وما زلتِ، لا تثورين!!"
كما نجد الشاعر يتحدّث بلسان الأنثى وكأنه يتجسّد في روحها وفكرها فيقول "... حطّم قيود أحزاني، كسّر جليد مشاعري. أحييني امرأتك. أحيي أنوثتي بكمشة حبّ، أو دعني أموت على سفح السكون وأنا حيّة، وروحي تناديك." فالمرأة أيضاً لها الحقّ في أن تعبّر عن ما يخالجها من مشاعر تجاه حبيبها، يحقّ لها أن تتألّم فتخاطب الرّجل من حرقة في الفؤاد لأنه الوحيد القادر أن يحييها من جديد وأن يبعث في أنوثتها التي تضيع من دون حبّ.
ثمّ إنّ ضاهرية يستخدم الإستعارات ليغني النّصّ فيبعث فيه الحياة "كان القمر يغفو على مذبح عشقنا فيطلع الصباح. كالعادة، كنت تسرقين وهجه وتطفئين ناره بكأس من نبيذ. كنت أحتسيكِ عشقاً..." يبدو الشاعر هنا في حالة هيام وعشق لامتناهيين فالقمر يغفو كالإنسان ساهراً معهما ولعشقهما مذبح تقام عليه احتفالية الحبّ كلّ ليلة. الحبيبة هي التي تطفئ نار الحبيب فيسكر معها القلب بكأس العشق الذي يسكر.
والحبّ عند المرأة أحياناً هو قيد وسجن هو ما يجعلها مجنونة وفاقدة لتوازنها "تأسرني دائماً في أجوائكَ... تأسرني دائماً في أحضانكَ... أفقدتني رشدي... أفقدتني توازني... أدخلتني في عالم جنونكَ." هكذا يدخل الشاعر إلى عوالم المرأة ويتحدّث بلسانها ويناجي من خلالها الرّجل المعشوق كي يحرّرها من حبّه لها.
ما أروع الشّعر حين يتفجّر شوقاً وأنثويّةً ومشاعر جيّاشة فكيف إذا كان هذا الشعر لـ روجيه ضاهرية الذي نحت في قصائدة الكلمات تحتاً حتى تظنّ لوهلةٍ أنّك أمام حالات من المشاعر الإنسانية متجسّدة في هوى الكلمات.