يرحل كبار وعظماء هذا الوطن مخلّفين إرثاً حضارياً يسطع في المكتبات العربية والعالمية.
..يرحلون على غفلة من هذا الزمن الاستهلاكي الذي لم يعد يقدّر إلا السطحية حتى بتنا أمة أشبه بجاهلة حمقاء غافلة على تسطيح العقول والادمغة وهيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على علاقات اجتماعية باتت في حكم الوهن والوهم .
لقد مضى على رحيل سعيد الكلمة وعقل الادب والشعر 365 يوماً من هذا العالم تاركاً نهجاً ومخلفاً مدرسة شكّلت نمطاً تربوياً تُبنى على أساسه أوطان وأجيال واعدة. سعيد عقل الكلمة الحية النابضة الذي ما أحب لبنان الا عاصمة للكلمة للجمال للإبداع والثورة ، نحتاج لجنونك العبقري علّه يعظ حكامنا للخروج من الازمات السياسية والحياتية التي تحيط بنا من كل حدب وصوب.
نحتاج قيامتك من جديد علّها تعيد للشعر وَميضه وللكلمة القها وللحب نغماته...صحيح أنك أورثت الوطن وطناً صاخباً راقياً منتصباً على مداميك القوانين والتزام القضية والتعصّب حتى الرمق الأخير للـ10452 كلم مربّع إنما لا حياة لمن تنادي، فالورق بات مرتعاً للنسيان إنما الحبر الذي انسكب من عملقتك انسكب على صخر الصوّان في صنّين وبات رمزاً للثورة والانتفاضة على الفساد.
وُلِدْتُ، سَرِيري ِضفَّة النّهْرِ، فالنَّهْرُ تآخَى وعُمرْي مِثْلَما الوَرْدُ والشَّهْر ُ
صحيح هذا ما قاله سعيد ، صحيح أنه رحل من هذا العالم إلى حيث كان يشتهي ملاقاة الفادي إنما شعره بقي كزنابق الحقل تتجدد مع كل نسمة ومطر وعليل. هو الذي ابصر النور في الرابع من شهر تموز عام 1912 في زحلة طفل عبقري، طفولته مليئة بالوَرْد في ظِلّ أمّ مَلاكٍ وفي كَنَفِ والد كان نَهراً من نخوة ومن الكرم . فإكتسب شخصية إكتملت بحنان وطهر والدته وعطاء ابيه ومن زحلة استشفّ البطولة والنخوة.
موهبة برعت ونبوءة شعت منذ مقاعد الدراسة الأولى فبرز متفوقاً في مدرسة الإخوة المريميين في زحله حيث بدأ دراسته حتّى أتمَّ قسماً من المرحلة الثانوية. إعتزم التخصُّص في الهندسة، إنما القدر توعد له في الخامسة عشرة من عمره حيث خَسِر والده خسارة مالية كبيرة، فإضطرَّ أن ينصرف عن المدرسة ليتحمّل مسؤولية ضخمة وأعباء بيتٍ عريق ، فمارس الصِّحافة والتعليم في زحله. لكنّه إستقر في بيروت منذ مطلع الثلاثينَّيات وكَتَبَ بجرأة وصراحة في العديد من الصحف.
سعيد عقل أبى أن يرحل من هذا العالم الا ومعه طيف المخلفات الادبية والنثرية والشعرية ، أبرزها :"بنت يَفتاح" المأساة الشَّعرية، وهي أولى مسرحيات لبنان الكلاسيكيّة ذات المستوى.
قصيدته «فخر الدين» المطوَّلة التاريخية الوطنيّة .
«المجدلية» التي بمقدّمتها غَيَّرت وجه الشّعر في الشرق.
مسرحيّة قدموس، وهي عبارة عن عمارةً شعرية ذات مقدمّة نثريّة رائعة.
«رِنْدَلى» حيث ردّ سعيد عقل الى المرأة تاجها ، فغدت من بعده تُحبُّ وتُعبَدُ.
«مُشكلة النخبّة» الذي يطالب فيه سعيد عقل بإعادة النّظر في كلّ شيء من السياسة الى الفكر والفن.
«كأس الخمر» ويتضمّن مقدّمات وضعها سعيد عقل لكتب منوّعة :
"لبنان إن حكى" كتاب المجد الذي يعلّم العنفوان والشّهامة.
«يارا» وهو شعر حبّ باللغة اللبنانيَّة.
«أجراس الياسمين» شعر يغني الطبيعة بغرابة فريدة وبحدّة حِسّ وذوق.
«كتاب الورد» نثر شعري ذو نفحات حب ناعمات من حبيب الى حبيبته.
«قصائد من دفترها» شعر حبّ يغني العذريّة والبراءة.
«دُلزى» قصائد حُبّ من نار وحنين .
«كما الأعمدة» وهو بعلبك الشعر وقد سجلت فيه روعة العمار، ودقّة الجمع بين الفخامة والغِوى.
كتاب خماسيّات الصبا باللغة الفصحى وتمثّل ذُروة الكثافة في المضمون .
ديوان« الذَّهب قصائد» وهو كتاب جامع يحمل خُلاصة ما توصّل إليه فكر سعيد عقل في أوْجِ نُضجه.
كما تميّز سعيد عقل بأفكاره ومواقفه الوطنية وحبه الكبير للبنان الذي ظهر جلياً بالبرامج التي كان يطل بها على تلفزيون لبنان و Tele Lumiere.