أن تخرج من عباءة غُزلت من نسيج مرصّع بالنجاح والجدّ والاجتهاد، وتتوّجُ بالإبهار عملاً مسرحياً غنائياً هزّ الرُكح مرّات ومرات وبنسختين على مرّ السنوات، وتحافظ في الوقت نفسه على روح "سلوى" وأنفاسها وعطرها و"هضامتها" وقوة حضورها وسحر صوتها، ما هو إلا إنجاز متوقّع من رائد مسرحي وعبقري لبناني إسمه روميو لحود.
"بنت الجبل" لم تفقد بريقها، بل على العكس عكسته ألقاً وتألقاً على "ليزا" و"هنري" و"جوهر" و"بربور" والجميع، من ممثلين وراقصين، أبدعوا في زرع الفرح في قلوب من تسنّت لهم متابعة هذا العمل المسرحي الذي يتمّ تقديمه على مسرح الفنون في جونيه.
لن نتحدث هنا عن مضمون المسرحية كونه بات أمراً مألوفاً لكننا لن نتوانى عن القول إن ألين لحود أكدت أنها ليست فقط "بنت الجبل" بامتياز بل "بنت سلوى" بجدارة، رقي في الأداء، إتقان في الغناء، وتجديد في الشخصية.
أما بديع أبو شقرا فهو الممثل الاستثنائي في عصر التكرار، وصاحب الموهبة التي تفرض نفسها بفرادتها، في حين غزا غبريال يمين المسرح وأسر الحضور ووضعت ماغي بدوي على الخشبة تميمة الحظ، فأبدعت.
وهنا لا بد أيضاً من التنويه بأداء عصام آلان مرعب الذي ترك أثراً طيباً في نفوسنا مع تقديمه دور "د. جوهر" فأثرى المشاهد بأسلوبه السهل والممتع في آن، وهذا ما يكرّس صوابية اختيار خاله روميو لحود له للمرة الأولى في مسرحية "طريق الشمس".
والجدير بالذكر أن "بنت الجبل" من بطولة ألين لحود، بديع أبو شقرا، غبريال يمين، ماغي بدوي، عصام مرعب، لودي قزي، ماريلين حكيم، ورفعت نهرا، وهي سيناريو، حوار وإخراج روميو لحود. تصميم الرقصات كان تحت إشراف جورجيت جبارة وناي لحود، وتمّت من خلال فرقة آلان مرعب للرقص، بينما تصميم الأزياء كان من نصيب بابو لحود، في حين قام المصمم بسام نعمة بتصميم ملابس ألين لحود.
وبُعيد انتهاء العرض، كان لـ"الفن" عدد من اللقاءات بدأناها مع الفنان إيوان الذي أبدى سعادته بتمكنه من مشاهدة هذا العمل للكبير روميو لحود والشعور بالحنين مع استماعه مجدداً لأغنيات حفظها عن ظهر قلب على الرغم من أنه لم يتابع العرضين السابقين، وأكد إيوان استمتاعه بمشاهدة المسرحية التي أظهرت جانباً من تاريخ لبنان الفني الجميل، ونوّه بأداء ألين لحود الجدير بالتقدير.
من جهتها، اعتبرت الإعلامية ريما كركي أن ما تابعته كان رائعاً ويتضمّن الكثير من الحنين، كما أن تقديم العمل تمّ بطريقة مميزة تحمل بصمة روميو لحود. وتابعت كركي بالقول: "إشتقنا للبنان وأيام مسارحه الزاهرة بالأغنيات واللوحات الراقصة والديكور وروعة الأداء، كما أن ألين وبديع كانا بمنتهى الروعة".
الفنان المسرحي سامي خياط شدّد على وصف العمل بالرائع، وبأنه مليء بالحنين والعواطف، واكتفى بالقول: "C’est delicieux"، في حين اعتبر الممثل ميشال حوراني أن هذه المسرحية هي علامة فارقة في تاريخ المسرح الغنائي اللبناني، وأشار إلى أن ما شاهدناه كان تأكيداً على أنها لا تموت طالما يكمن خلفها رائد كبير هو روميو لحود الذي يتملّكه العشق للمسرح والفن، كما أن ألين تمثل ميراثاً خالصاً حيث تمتلك المقدرة على التمثيل والغناء معاً بشكل لافت.
وأضاف حوراني أن الخلطة اكتملت مع الأغنيات المضافة بحيث أن من تابع النسختين السابقتين من المسرحية أو إحداهما لن يكون بحاجة إلى أن يقوم بالمقارنة إذ سيجد حتماً أن الروح لا تزال موجودة، خاصة وأن فريق العمل ممتاز، وأكد شعوره بالفخر بوجود فنان بحجم روميو لحود الذي، وعلى الرغم من تقدمه بالعمر، لا يزال محافظاً على شموخه على المسرح ومقدرته على تقديم الأفضل.
بطلة العمل ألين لحود، التي كانت تتلقى التهاني بغزارة، لم تتمكن من وصف شعورها لنا كما هو إلا أن دقات قلبها المتسارعة كانت تتحدث عنها. لحود، قالت إنها، وعلى الرغم من الرهبة التي لاحقتها طوال العرض إلا أنها شعرت بوجود "سلوى"، وأكدت على أن الفرحة التي لطالما زرعتها والدتها سلوى القطريب كانت مسيطرة على الأجواء، وأضافت ألين: "سعيدة جداً بأننا تمكنا من تكريمها ولو من خلال إعادة تقديم "بنت الجبل"، والحمدلله أن وقع العرض كان إيجابياً على الحضور الذي تفاعل معنا، وهذا هو المهم".
وعما قدّمته بشخصيتها لتأتي "ليزا" مختلفة، أكدت ألين أنها توقفت عن مشاهدة تسجيل المسرحية منذ اتُخذ القرار بإعادة تقديمها وتأديتها بنفسها، وقطعت اتصالها مع التسجيل السابق لتقدّم الشخصية على طريقتها وتقرأ النص من جديد وكأنها تكتشفه للمرة الأولى .
وقالت: "درست شخصية ليزا وعشتها، بكل ما فيها من ضعف وقوة إرادة في الوقت نفسه، واتخذت قراراً بإخراج ليزا جديدة أمام الجمهور الذي لا يزال يحفظ في ذاكرته ليزا القديمة ويتأثر بها، لذلك فما أن نقول سلوى حتى يقال "بنت الجبل"، لذا أتمنى أن تكون ليزا الجديدة قد تركت انطباعاً متجدداً".
بدوره، أبدى بطل العمل الفنان بديع أبو شقرا شعوره بالسعادة بالدرجة الأولى كونهم يقدّمون عملاً مسرحياً، وقال: "تقديم عمل مسرحي هو متعتي في الحياة... تكفيني وتشبعني شخصياً".
وعن المسؤولية الملقاة على عاتقه نتيجة تقديمه الدور في نسخة ثالثة وبالتالي وجود عنصر المقارنة، قال أبو شقرا: "لم أشعر بالخوف من هذا الأمر بسبب وجود روميو لحود المدرك جيداً لما يريد إيصاله إلى الجمهور ومن وراء إعادة عرض المسرحية، بالإضافة إلى خبرته العريقة في إدراك كيفية التعاطي مع الناس في هذا النوع من المسرح، لذلك وضعت يديّ في المياه الباردة مع كل ملاحظة تلقيتها منه... لقد سلّمته نفسي ولم أكن خائفاً".
وعن إمكانية التعاون مجدداً مع ألين لحود قال ضاحكاً: (خلص ألين أخذناها لإلنا حصرياً)، ومن ثم تابع بالقول: "بالفعل ألين رائعة ومجتهدة، وعلى الصعيد الشخصي نحن صديقان ونفكر وندرك كيفية اختيار العمل المناسب بطريقة واحدة، ولدينا الهواجس نفسها بحيث لا تهمنا الشهرة المجانية أو الانتشار العشوائي بل نعمل لأننا نستمتع بالعمل، فالمسرح هو نشوة الحياة بالنسبة إلينا ولمن يفكر مثلنا". ويضيف: "لا ننسى وجود الفنان غبريال يمين الذي بالفعل كان عنصراً مساعداً وإيجابياً جداً، وكذلك الفنانة ماغي بدوي التي استفدنا من وجودها خاصة وأنها شاركت في العرضين السابقين". وهنا تبادرنا ألين بالقول مازحة: (بديع ما كان شاطر أبداً اليوم)، فيجيبها: (كنت قلعتيلي عيني اليوم)، فعلّقت سريعاً: (قد ما بغار منه قرّرت شوهّله جماله).
وختامها مسك مع الكبير روميو لحود الذي بدا سعيداً وراضياً عن النتيجة، وقال لـ"الفن": "يهمني أن العرض أعجبكم وشعرتم من خلاله بالسعادة". وعن رأيه بأداء ألين وبديع في النسخة الثالثة من "بنت الجبل"، قال لحود: "لكل نسخة حب وجمال واعتزاز خاص، ونحن اليوم نرى "بنت الجبل" الجديدة لا القديمة وبروح العصر الحالي... أحبكم".
لمشاهدة ألبوم اصور كاملاًإضغط هنا.