هي امرأة جمعت آلاف النساء في جسد واحد، تحمل في رحم دماغها أفكاراً تتوالد وتنمو وتتكاثر لتنثر عبقاً من الرقي والذوق والثقافة والجمال...
هي حواء التي أغوت آدم بتفاحة العشق وسكبت على الورق نفحات من ذاكرة الإنسانية، بهدوئها وعواصفها، بنرجسيتها وتواضعها، بأوهامها وأحلامها... كاترين معوّض في لقاء خاص مع "الفن" تتحدث من اللبّ إلى القلب .
بداية، ألف مبروك وهنيئاً لنا بشاعرة مبدعة مثلك. كيف تجدين أصداء أغنيتيك اللتين حملهما صوت وإحساس الفنانة أنغام إلى القلوب قبل الآذان؟
شكراً على كلامك الجميل، والحمدلله الأصداء أكثر مما توقعت وذلك على الرغم من ثقتي الكبيرة شخصياً بهذين العملين الغاليين على قلبي. من خلال ألبوم الفنانة أنغام عدت وأكدّت للجميع بأننا نظلم الرأي العام عندما نقول: "هذا ما يريده المستمعون" لأن الجمهور على العكس من ذلك يريد أعمالاً راقية ومحترمة، ولا أتحدث هنا عن أعمالي فقط بل بالمطلق بمعنى أي عمل يحمل المقوّمات الصحيحة والجميلة. لقد وجدت بالفعل أن الناس متعطّشون للإستماع إلى هذا النوع من الألبومات والأعمال الفنية.
مع "أحلام بريئة" فاجأت أنغام عشاقها بألبوم رائع وتحدّت من خلاله بأغنيتين إحداهما لبنانية والثانية مصرية ببصمة لبنانية وهذه تعتبر سابقة في عالمنا العربي. كيف تصفين هذا العمل؟
ألبوم أنغام من أجمل الإصدارات، ولا شك بأن المكتبة الموسيقية العربية تتباهى بعمل كهذا. شهادتي بأنغام مصر مجروحة فأم عمر هي حبيبة قلبي، صديقتي، وشقيقتي قبل كل شيء لكن الحق يقال بإنها وحّدت هويّة الموسيقى العربية وذهبت إلى ما هو أبعد من حصر العمل الجميل بالهويّة. على العرب، كل العرب، أن يروا من خلال جرأة أنغام رسالة ترقى بالموسيقى العربية من مناطقية محدودة إلى أكثر شمولية.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم كيف تمكنت أخيراً من كسر حاجز الخوف لدى أنغام من الغناء باللهجة اللبنانية وهي التي تراجعت سابقاً عن الإقدام على هذه الخطوة؟
لا بد أولاً من التنويه بأن أنغام هي التي أبدت عزيمة ورغبة شديدتين بالسعي الدؤوب للنجاح بالغناء باللهجة اللبنانية. أعتقد أن لهجتنا هي التي خرجت منتصرة من خلال "بكره الموسيقى" لا أنغام أو كاثرين ولا حتى هشام بولس لأن هذا الحاجز كان لا بد له من أن ينكسر منذ زمن. أنغام أبدعت بأداء اللهجة اللبنانية وأتقنتها باحتراف واضح، وبالفعل بدا طعم العنب والتفاح اللبناني متجلّياً بصوتها المصري. لن أقول إنني اجتهدت لإقناعها بالمحاولة لأنها كانت مقتنعة أصلاً، لكننا شكّلنا معاً "تريو"، أو ثلاثياً، حيث تعمّقنا أكثر بأعمال السيدة فيروز التي تزخر بها ذاكرتها وكذلك الفنانين الراحلين وديع الصافي وذكي ناصيف، وبدأنا نستمع أكثر إلى أعمالهم حتى شعرت بأن اللهجة باتت أقرب إليها وأصبح بإمكانها تأديتها بإتقان وامتياز. بصراحة، أنغام كانت مرتاحة جداً أثناء التسجيل، (لا تعذبت ولا عذبتنا معها) بل بدت رائعة و(زقزقت باللبناني).
"بكره الموسيقى" عنوان جريء لأغنية مليئة بالشجن ودفء المشاعر. ألم تطلب منك أنغام تعديله أو على العكس اعتبرته عميق التعبير عن المضمون؟
لا أعتبر عنوان الأغنية جريئاً بل جديداً أوغريباً نوعاً ما فأنا أبحث دوماً عن كل جديد ومختلف... "بكره الموسيقى" تشبهني وقريبة من روح النصوص التي سبق وأن قدمتها. أنغام تتمتع بذوق فني رفيع وهي تدرك جيداً أن أي أغنية تحتاج إلى عنوان وكلمة تكتنز فيهما الجرأة، أما بالنسبة إليّ شخصياً فأنا لست بصدد طرح أي عمل لا يشبهني لا اليوم ولا غداً ولا في أي مرحلة لاحقة. هذه الأغنية تحمل أسلوبي وخطي، وأجد أن الفنان عندما يطلب من مؤلف الأغنيات عملاً أو أكثر أن يوليه ثقته الكاملة لئلا يتعرّض العمل للفشل.
هل تعتقدين أن أغنية "أهي جت" ستفتح لك أبواب مصر بعد النجاح القياسي الذي حققته؟
هذه الأغنية جاءت وليدة الصدفة ولم يكن مخططاً لها أن يتضمّنها رحم هذا الألبوم. أنغام وهشام بولس أصرّا عليّ وشجعاني للإقدام على هذه الخطوة، في وقت لا أنكر فيه أنني كنت أشعر بالرعب مما اعتبرته معركة، خاصة في ظل وجود مؤلفين رائعين في مصر وهم روّاد الأغنية المصرية ولم أكن أرغب بخوض غمار هذا السباق معهم. ربما كون والدتي من مواليد مصر، وتشجيع ودعم هذين الصديقين الرائعين لي وإيماني بأن العمل سيخرج بالشكل المطلوب تحمّست للفكرة وتابعت كتابة الأغنية وخضت هذه التجربة والحمدلله كانت النتيجة مذهلة فالأغنية ككل جديدة على أنغام وعليّ شخصياً وهشام أبدع في تقديم اللحن أيضاً.
لماذا اخترت التعامل في الأغنيتين مع الملحن هشام بولس مع أن إحداهما مصرية اللهجة وتوزيعها الموسيقي حمل توقيع طارق مدكور؟
هشام يفهم كلماتي أكثر مني فيغوص في أعماقها ويكتشف أبعادها ولديه القدرة على قراءة ما بين السطور... باختصار، هشام بولس بطل الألحان وألحانه بطلة في كل أوان، في حين أبدع طارق مدكور بحق في التوزيع الموسيقي الخاص بأغنية "أهي جت"، وأعترف بأن توقيعه عليها أضاف إيماناً على إيماني بها وشرعيّة لعملنا بلا شكّ. أما الأغنية اللبنانية فحملت توقيع الموزّع الموسيقي داني حلو الذي لطالما كان وجهه فأل خير عليّ وأحبه جداً وسبق وأن تعاونّا معاً في "غمرني تعيش".
سبق وأن تعاملت مع البوب ستار رامي عياش وشكّلت "غمرني تعيش" محطة خاصة في مسيرة كل منكما. ماذا تخبئين له اليوم؟
ما قدّمته مع رامي من أروع ما كتبت، وثمة نصوص كثيرة لا يزال يحتفظ بها ولا أشك بأنها ستصدر تباعاً بإذن الله. رامي عياش ملحن عبقري، فكما أنه البوب ستار رقم 1 كذلك أراه يتربّع على قمة تفوق هذا الرقم سموّاً.
لماذا وقع اختيارك على رامي عياش لأداء أغنية زفاف شقيقك الوحيد إميل؟ وهل سنسمعها عبر الإذاعات قريباً؟
كان القرار مشتركاً بيني وبين رامي بأن تكون رقصة إميل وجيسيكا الأولى على أغنية خاصة وجديدة، وهي من كماتي وألحان العياش وتوزيع الغالي داني حلو، وأجده عملاً رائعاً يوازي "جبران" في الأهمية. من المفترض أن تصدر الأغنية عبر الإذاعات وحالياً نقوم بالتحضير لإطلاقها بطريقة خاصة فهي أغنية عاطفية رائعة وإيماني بها كبير كما أجدها تعكس بصمة تعاملي مع رامي عياش.
ألم يحن الوقت لنحتفل بزفافك كما نحتفي بنجاحك؟
سأدخل القفص الذهبي قريباً، وتحديداً عندما أشعر أنني تعبت من التغريد خارج قضبانه... وأقصد هنا بالقضبان: العشق، الحب، والإلتزام... إن شاء الله قريباً.
ماذا عن "بعض... مني"؟ لاحظنا الإقبال الكبير عند طرحك هذا الكتاب المميز كما تواجده في أبرز المعارض. ما أجمل ما قيل عنه؟ وهل ستتبعينه بآخر أم الأولوية اليوم لتأليف الأغنيات؟
الحمدلله لا يزال الإقبال على الكتاب كثيفاً، وهو متوفّر في الكثير من المعارض في الدول العربية المختلفة. كنت متخوّفة من فكرة العودة إلى قرّائي بعد عشر سنوات لكنني على العكس اكتشفت أنهم بانتظاري وقدّموا لي الدعم الكامل. بالتأكيد لن تبعدني الكتابة عن تأليف الأغنيات التي هي أصلاً من بنات أفكاري وطرحتها في كتابي بطرق مختلفة وبلهجة خاصة لكن الأغنية في المقابل لن تسرقني من تدوين النصوص والنثر والقصائد.
كم من قصر عمّرته في الهواء وثمة من هدمه وهدمك معه؟
عمّرت الكثير من القصور وهدمتها بيدي وثمة من شيّد لي قصوراً وهدمتها ولكني أحمد الله بأن كل قصر تمّ تدميره بنى لي نصوصاً وقصائد وأفكاراً جديدة وساهم في تحسين خطي وأدائي الشعري. لا بد للقصور من أن تهدم يوماً ما إذ لا يوجد قصر أزلي أو مشوار يستمرّ حتى الأزل... لا بد من وجود نهايات في مكان ما، وعلى الإنسان أن يرى الإيجابية فيها ويصوغها برؤياه.
"سكات" أنغام في "أهي جت" يقول "حاجات"... فماذا يقول سكوت كاترين معوّض؟
فعلاً ثمة صمت يتكلم، وآخر لصداه ترددات مدوية، وهناك صمت يقول الكثير...أحياناً تُفضح الأمور وحدها وأحياناً نفضحها بإرادتنا، وأنا من الأشخاص الذين يفضّلون البوح بالأمور الجيدة والتي من شأنها أن تفيد الآخرين.
جميعنا يعلم أنك من النساء النادرات اللواتي ما أن يدخلن مكاناً حتى يُقال: "وصلت كاترين" أو باللهجة المصرية "أهي جت"... هل غمزت من قناة نفسك في الأغنية؟
إعتراف المرأة بمن سبقها أو تلاها إلى قلب الحبيب ما هو إلا دلالة على يقين ذكي ونضج منطقيّ. إن المرأة الواثقة من إرث ذكرياتها ووقع إطلالتها على الآخر تدرك وتستحق "أهي جت" لحظة دخولها أي مكان؛ كما أن المرأة العاقلة هي سيّدة موقف عظيم يقول: "هعديّها هعدّيها، بكرا طيفي يغطّيها" وبالتالي هي امرأة تُرفع لها القبعة. "أهي جت" تُقال طبعاً لكاترين معوّض ولا مانع لكاترين أن تقولها إذا ما شعرت بالمثلْ... (تبتسم وتضيف): فلتكن إجابتي ترويضاً لنرجسيتي حتى لا نقول كتبت كاترين معوّض لكاترين معوّض "أهي جت".