أجمل ما يمكن أن يتواجد في الفنان ، هو لامحدوديّة الموهبة وإنفصاماته في شخصيات الإبداع .
كم هو رائع أن تمتلك الصوت واللحن والكلمة، أن تكون الأوتار خاضعة لأناملٍ تعرفها ولا تعترف بغيرها، أن ينساب صوت البيانو على نغمةٍ من صنعٍ محلي ولا يستورد الإبداع المعلّب من خارجٍ مغرور. وكم من المثير أن تتعرف على فنانٍ لبناني يتقن فرنسيةً من إرث "مارسيل بانيول" و إنكليزيةٍ من تَركةِ عائلة "برونتي".
هو "جيلبرت سيمون" الذي تعرّف عليه الجمهور العربي في برنامج "ستار أكاديمي" ذلك الشاب الخلوق الذي يرتدي قبّعتهُ الدائمة أبداً، و يضيف بموهبتهِ نكهةً غربيةً من جذورٍ لبنانية.
وها به يعود اليوم، إلى الأصل، إلى نقطة إنطلاق الموهبة، إلى بلدٍ نذر تاريخه للداء السياسي والدواء الفني.
بدعوةٍ خاصة من جيلبرت سيمون، إجتمعنا معه في فندق "غراند هيلز" في برمانا، وشعرنا بنوعين من الفخامة، فخامة المكان بالديكور والتصميم والخدمة، وفخامة الثقافة الفنّية التي أصبحت أكثر ندراً من السعادة في هذا البلد. وكأن جيلبرت إختار فئةً معيّنة من الصحافيين، من يقدرون على مجاراته في عمق التفكير وثقل المضمون. لم تعرف جلستنا لا النميمة ولا تفاهة الكلام، بل تحدّثنا بكل ما هو قويّ للروح و الفكر ، وكان لنا معه هذا اللقاء.
جيلبرت سيمون أنت عازف بيانو، رسّام، عازف غيتار، كاتب، ملحن، ومغنّ...أين تجد نفسك أكثر؟
لكل فنان وقته المميز مع آلته الموسيقيّة، فعندما أجلس على البيانو، أكتب لحناً وكلماتٍ تشبه البيانو ، أما الغيتار فهو آلتي الأساسية في العزف . لكل آلة موسيقية لغتها الخاصة بها ، عندما ألحّن أفضل إستخدام الغيتار ، أما عند التسجيل فأنا أفضل البيانو والهارمونيكا.
إذاً الغناء يأتي في المرتبة الأخيرة ضمن أولوياتك؟
نعم، آخر شيء أفكّر فيه هو الغناء ، لكن عندما أغنّي أغنية ليست لي، أقدّمها بكل إحترامٍ يليق بصاحب الأغنية.
كل زملائك السابقين في ستار أكاديمي وجدوا الدعم المادي في الإنتاج والإدارة ، ماذا عنك؟
أنا أيضاً عُرض عليّ الدعم والإنتاج، لكنني توقفت عن العمل معهم بعد ثلاثة أشهر.
لماذا؟
لأسبابٍ شخصيّة، فأنا طائر حُرّ ، بالنسبة لي، فإن برنامج ستار أكاديمي كان نوعاً من مغناطيس القوة، تقوم خلال هذا البرنامج بالتواصل مع ذاتك الداخلية، والفنان الذي في داخلك. وأنا ممتن لهذه التجربة. لكنني لا أستطيع أن أتبع لأيّ أحد. أنا أريد أن أكوّن شخصيتي المستقلّة . لا أريد أن أكون عبداً لأحد...إنها كلمة كبيرة، لكنها الحقيقة.
فقد منحك الله عقلاً لتقرر من خلاله، فإن الحياة كما كان يقول والدي، هي أشبه بـ"كارافان" يسير متجهاً إلى الأمام ، والناس بداخله إما أن يبقوا معك أو أن يرحلوا ويأتي أناس آخرون. وستصادف الكثير من الناس الذين سيحاولون أن يتآمروا عليك ويمنعوك من النجاح ويحاربوك في عملك ، لكن في النهاية سوف تصل رغم كل شيء.
هل لا تزال على علاقة مع أيٍّ من زملائك السابقين في ستار أكاديمي؟
أنا صديق مع الجميع، وبالأخص "نسمة" من مصر هي بمثابة شقيقة، كذلك "محمد رافع" من الأردن ، لكن كل واحد من المشتركين إستقلّ ليؤسس حياته الخاصة ، فأنا على سبيل المثال سافرت إلى قبرص حيث قمت بجولة موسيقية كبيرة ، وكذلك فعلت في باريس.
أخبرنا المزيد عن الحفل الكبير الذي تُعد له والذي ستحييه يوم الجمعة المقبل.
أسمّي الحفل هذا "عودتي إلى بيروت" ، لأن الناس يتذكرونني بأغنية "دو يو لوف مي" وهي أغنية تعود لسنة 1963 لعائلة البندلي ، وقد إخترتها لسببٍ واحد وهو لأنني لا أغنّي باللغة العربيّة. وقد أعجبتني الأغنية وهي مرحة، بعض الناس لا يتقبلوها بجديّة والبعض الآخر يتقبلها. بالنسبة لي، كانت هديتي للناس الذين يستمعون إلى الأغاني العربية.
وهذا العرض سيكون مرتكزاً على أغانٍ لـ"فرانك سيناترا" ، "شارل أزنافور" ، "بوبي ديلين" ، "دين مارتن" ... وهم فنانون شكّلوا بالنسبة لي مصدر وحي وتأثير خلال مسيرتي الفنّية .
وخلال الحفل الذي أحييته عام 2012، وجدت إقبالاً كثيفاً وطلباً كبيراً في كل المناطق من "نيقوسيا" إلى "ليماسول" إلى "بافوس" وكل المناطق الأخرى ، وكأن الجولة الفنيّة كانت تكبر ككرة الثلج. ولم أكن أعتمد حينها على أنواع "الجاز" و "السوينغ".
ماذا عن باريس؟
لقد سجلّت هذه الأغاني في باريس مع أوركسترا "أندر غراوند" ولاحقاً سوف أطلقها ضمن أسطوانة خاصة (cd) . فهذه الأغاني هي كنوع من التحية ، ولهذا السبب قمت بتأليف أغاني "جاز" خاصة بي كأغنية "دعينا نذهب إلى المدينة التي أغرمنا ببعضنا فيها" لكنني لم أسجّلها بعد.
والآن أنا اخطط لتقديم حفل كبير في لبنان، ربما في مكان شاسع ، وسيكون مع الكونسرفاتوار الوطني اللبناني لأنهم يضمون أكبر فرقة "جاز" في لبنان.
لماذا إخترت فندق "غراند هيلز" لتقدم فيه حفلك القادم؟
لأنني صديق مع السيد "جوزيبي" وهو المدير العام للفندق، وقد إحتجت لمكان يُشبه الموسيقى التي أقدّمها ويتماشى معها ، وعندما عرفت أنهم أعادوا إفتتاح الفندق، قررت أن أقدم الحفل هنا.
سمعنا عن إنجاز مهم لك، وهو رسمك لآخر عدد من الموسوعة المصوّرة الشهيرة "أستريكس وأوبليكس"
هذه مهنتي الأساسيّة قبل الموسيقى، فأنا رسام كاريكاتوري. حصل ذلك عام 2013 ، للعدد 35 ، وقد تعاونت مع الشهير "أوديرزو" ، وقد تمّ إختياري بين الآلاف من رسّامي الكاريكاتير . كان هذا أهمّ إنجاز في حياتي، يأتي "ستار أكاديمي" من بعده ، وهذا الإنجاز أهمّ بكثير من مشاركتي في ستار أكاديمي.
أخبرني عن رأيك بالجو الفني في لبنان
لكي أكون صريحاً معك، أقول كلمة واحدة "الله يرحمك لبنان".
لماذا تقول هذا؟
هناك مواهب كثيرة في الجيل الجديد، مثلي أنا على سبيل المثال ، لكننا نفتقد للكبار الراحلين كصباح ووديع الصافي ، وأطال الله بعمر فيروز، وأنا أسميها "شارل أزنافور لبنان". فالموسيقى المقدّمة اليوم للجمهور اللبناني، هي ليست موسيقى حقيقية ، فلنكن صريحين ونتوقف عن إطلاق لقب نجم على هذا وذاك....فالفيديو كليب لا يجب أن يكون هو من يصنع الفنان ، وكما قال أزنافور "لا يجب أن ننجح بالمال وليس بالصوت" .
رسالة أخيرة للجمهور اللبناني ؟
لطالما كنت من عشاق لبنان وسأبقى كذلك، وللجمهور أقول "إستمعوا إلى الموسيقى أكثر" ، هناك فنّ خارج عن الدائرة الفنّية التي تعرفونها وغير الذين تعرفونهم بالنجوم، كما خارج ما تشاهدونه على شاشاتكم ، هناك فنانون كثر على الطرقات وفي منازلكم وفي أماكن كثيرة.
سوف أطلق فيلماً جديداً من صنعي ، وسيكون إطلاقهُ مجاناً ، وقد تمّ تصويره في بيروت ، ولكنه يحتوي على الكلام، بل على الموسيقى فقط.
لمشاهدة ألبوم الصور كاملاًإضغط هنا.