في حضرة النجم العربي وليد توفيق يتخذ الحوار دوماً أشكالاً مختلفة، فهو المطرب المتجدد قلباً وقالباً، صاحب الألحان المنسكبة بسلاسة عبقاً وأريجاً، وهو الفنان المفعم بإرث الأصالة وفخر الكفاح.
..
وليد توفيق، وفي حديث خاص لـ"الفن"، يروي حكايته مع شبابه الدائم، يعلن عن آراء متعددة في الفن والسياسة والمجتمع ويتحدث عن صداقاته الفنية.
بداية، ما سر محافظتك على الشباب الدائم؟
لدى الجميع اعتقاد خاطئ أنني أجريت عمليات تجميل أو حقنت وجهي بالبوتوكس، إنها نعمة من الله عزّ وجلّ، ويعود السبب برأيي إلى راحة البال والضمير وصفاء النفس بعيداً من الحقد وأن يتمتع الإنسان بالقناعة. والأهم من كل ذلك هو النجاح ومحبة الناس اللذين يعتبران الدواء الناجع، وألاحظ أحياناً أن عدداً من أبناء جيلي تبدو واضحة على وجوههم آثار تقدمهم في السن ، فأشكر الله على هذه النعمة وأتمنى على الجميع الإعتناء بصحتهم والحفاظ على سلامتهم وممارسة الرياضة. محبة الناس والنجاح الذي يحققه الإنسان لا ثمن لهما، لأن نتائج الفشل والحقد والغيرة لا بد وأن تظهر على محيا المرء وبالأخص عينيه، وينعكس الأمر أيضاً على كل ما يتعلّق بالطيبة والصفاء والكرم. الحمد لله الذي أنعم علينا برضى الوالدين وحب الناس وأنا مجتهد ولكل مجتهد نصيب.
ألهذا أصدرت أغنية "لا تقولي عمري خمسين"؟
يضحك ويقول: "فضحت حالي". ومن ثم يتابع بالقول: "أبناء الجيل الجديد كانوا يعتقدون أنني في الثلاثينات أو أوائل الأربعينات من العمر لكنني أحبّذ البوح بالحقيقة وتعمّدت تأدية هذه الأغنية. تناقضت الآراء حولها فثمة من أحبها كثيراً وفي المقابل هناك من رفض الفكرة وقال لي: "مش إلك"، أما أنا فأعتبرتها رسالة إلى من هم في هذه المرحلة العمرية بأنه بإمكانهم الوقوع في الحب والعشق مجدداً وأن يعيشوا وكأنهم لا يزالون في العشرينات بشرط أن ينبع هذا الإحساس من داخلهم. سأخبرك سرّاً : هذه حالتي بالفعل فأنا أشعر بأن الزمن قد توقف عندي في سنّ معيّنة ولا زلت أتصرّف، ضمن الحدود التي يسمح بها عمري طبعاً، وكأن عمري عشرين عاماً.
ما رأيك بتعليق الفنان معين شريف حول أغنية "بوسة قبل النوم" حيث إعتبر أنها لا تليق بعمر الفنانة نجوى كرم، وما جرى من بعده؟
لن أعطي رأيي بكلامه لأنني لا أعلم تفاصيل ما حدث، لكني أؤكد بأننا جميعاً بحاجة إلى "بوسة قبل النوم" حتى لو كنا في السبعين من عمرنا...أين المشكلة في ذلك؟ لماذا اعتبر أنها تطلب قبلة من حبيببها وليس من زوجها مثلاً، ما المشكلة في أن يطلب الزوج من زوجته "بوسة قبل النوم"، والعكس صحيح، خصوصاً إذا كانا قد باتا طاعنين في السن؟. أجيبك عن الشق المتعلّق بالأغنية لأنني لا أعلم المزيد من التفاصيل من جهة ولأنني لا أود الدخول في سجال بين الفنانين لا أعرف خلفياته، لكنني سأقول لمعين إن المطرب لا يغني لنفسه بل للناس ولكل الأعمار، وأكبر مثال على ذلك موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي أصدر أغنية "بلاش تبوسني في عيني"، وكذلك الشحرورة صباح التي أدّت "يانا يانا" و"رقصني دخلك يا حبيبي" وكانت قد تجاوزت مرحلة الشباب. أعتقد أن معين اعتبر الأمر شخصياً من منطلق غيرته على نجوى فأراد أن يقول لها إنه يراها في مكان مختلف لكن كان من الأفضل له أن يعطيها رأيه على انفراد وليس عبر الإعلام. في لبنان لم يعد لدينا سوى عدد قليل من النجوم وللأسف بتنا نضرب بعضنا البعض وكأننا أعداء، ولن أخفيكم سراً بأنني أقدم النصيحة لبعض الفنانين لكنها تكون بيني وبينهم. معين شريف فنان أحبه كثيراً ويتمتع بصوت كبير ويحق له توجيه الانتقادات وإبداء الرأي لكن ليست تلك المتعلقة بالعمر لأن الأمر يصبح نوعاً ما شبيهاً بالتجريح خصوصاً لدى النساء اللواتي بمعظمهن يرفضن فكرة البوح بأعمارهن.
شددت على فكرة أن الفنان يغني للناس وليس لنفسه. هل سبق وأن قمت بإختيار أغنية لأنها تعبّر عن حالتك أو مشاكلك أو ربما أحلامك؟
لم أختر أي أغنية للتعبير عن نفسي، لكني اليوم بدأت أكتشف أنني أمر بالتجارب نفسها من خلال عدد من أغنياتي مثل "أكبر جرح"، "زمن العجايب": مسّيك بالخير يا حياتي دنيا وفيها العجايب القسوة من الحبيب والمرّ من القرايب والحلو من الغريب". في طفولتي عندما كنت أرى أموراً تحدث في عائلتنا كنت أعتقد أنه من المستحيل أن تتكرّر معنا لكن الأيام أثبتت أنني كنت مخطئاً، أما أغنية "ما في شي بيتغيّر" فهي واقعية جداً وتعكس تجربتي الخاصة في الحياة.
ماذا عن أغنية "طير زغير"...ألم تكن فكرتك الخاصة؟
ثمة قصة وراء هذه الأغنية، فقد ارتأيت وصديقي الشاعر نزار فرنسيس إجراء عملية تغيير في وليد توفيق الفنان بمعنى نقلي فنياً إلى مكان آخر حيث أردت وجود صور شعرية في أغنياتي. وكان أن طلبت منه استخدام ما تعلّمناه من تجربة كبارنا أمثال وديع الصافي، فيروز وعاصي الرحباني الذين كانوا ينوّعون في أعمالهم الفنية فتأتي مختلفة...فما كان منه إلا أن سحب من حقيبته الكلمات لنقدّم من بعدها أعمالاً عديدة تتضمّن صوراً مثل "يا بحر" و"ما في شي بيتغيّر". قد لا تصنع هذه الأغنيات ثروة مادية إذ لا تؤدي إلى ازدياد عدد الحفلات أو الأفراح لكنها في المقابل تصنع مجداً وامتداداً وتجعلنا مستمرّين في محاكاة هموم الناس.
عدت أخيراً من مصر حيث قمت بتسجيل أغنية لها. ماذا عن التفاصيل؟
"مصر أم العجايب" عبارة عن تهنئة خاصة مني لمصر وشعبها الذي بدأ ينفض عنه غبار المحنة التي مرّ بها.
سبق وأن قدّمت أغنية "عمار يا مصر". ألهذه الدرجة تشعر بالوفاء تجاه هذا البلد؟
مهما قدّمت لمصر يبقى قليلاً عليها...لقد أعطتني مصر الكثير ولم أشعر يوماً بأن هناك من يحاربني فيها وأنا أقطن في منزل كل مصري. وعلى الرغم من أن لقائي مع الإعلامية منى الشاذلي لم يكن الأول إلا أن ما حصل بعد عرضه جعل الدمع يملأ مقلتيّ، فقد تلقيت اتصالات من كبار الفنانين المصريين، وهذا نادراً ما يحصل لدينا، أمثال محمد صبحي، حسن يوسف، شمس البارودي، عادل إمام وغيرهم من أهم الأسماء في عالم الأدب والفن والإعلام وذلك بهدف تهنئتي على الحلقة.
من إتصل بك من النجوم اللبنانيين؟
لا أحد، أصلاً لا أحد منهم يقوم بمعايدة زميله بحلول الأعياد، ناهيك عن الفنانين الذين يغلقون هواتفهم دائماً. لا أعلم لماذا...أعتقد أن ما يحدث اليوم في البلد سواء سياسياً، طائفياً ومذهبياً للأسف يترك تأثيره السلبي على الفن وهذا أمر خطير جداً وعلينا محاربته جميعاً.
لماذا شاركت في الاعتصام في ساحة الشهداء؟
هذا مطلب شعبي وأنا أرفض الانتماء إلى أي حزب سوى لبنان الواحد فأنا ضد الطائفية والمذهبية. نزلت إلى الساحة لكنني "زعلت" عندما رأيت البعض يرمي قوى الأمن بالحجارة والمولوتوف، فوالدي كان رقيباً في الدرك ورجال الدرك والجنود هم أخوتي. لا يجوز القيام بحركات منافية للأخلاق وتوجيه السباب والكلمات النابية إلى رجال الأمن فهم لبنانيون مثلنا ولديهم شرف وكرامة. الدركي مأمور وراتبه لا يكاد يكفيه لتأمين قوته اليومي وهم مثل أي مواطن عادي يعانون من انقطاع الكهرباء والماء وغياب المواصلات الجيدة التي تؤمن عودتهم إلى بيوتهم البعيدة.
هل ندمت على المشاركة؟
لم أندم لأنها مطالب محقة وسأنزل دوماً لأنني مع الناس وأنا إبن هذا الشعب الذي أوصلني إلى ما أنا عليه اليوم وليس السياسيين أو أصحاب النفوذ بل الناس هم أصحاب الفضل. ولا ننسى أن التظاهرة ضمّت أسماء معروفة ومهمة من الأشخاص اللاطائفيين وحشداً من المتعلّمين، وشريحة كبيرة من الناس البسطاء والمحترمين وبالفعل إنشرح قلبي بهذا الجمع، لكن كالعادة هناك من اندس بين الناس وحاول الاستفادة من خلال القيام بأعمال شغب. (الله يستر بلدنا) لأن هذا ما حدث في دول عربية أخرى حيث بدأ الأمر بهذا الشكل أيضاً.
هل تتوقع أن نعيد هنا تجربة ما يسمّى بالربيع العربي؟
لا أعتقد وأتمنى ألا يحصل ذلك لأن لبنان محصّن وهناك أشخاص يملكون الوعي الكافي لتجنيبنا هذه المرارة بإذن الله.
ما سرّ لقائك مع الممثل محمود عبد العزيز والفنان عمرو دياب؟
إنه صديق عمري وهو رجل شهم بكل ما للكلمة من معنى وعلاقتي به قائمة على المحبة وكذلك مع بوسي ومحمود ياسين وغيرهما، كما لدي صداقات قوية مع عدد كبير من نجوم مصر ولو أردت استغلالها لحققت ما لم يتمكن منه أي فنان آخر لكني أبتعد بصداقاتي عن المصالح، لذا ففي كل زيارة أقوم بها إلى مصر أشتاق للقاء أصدقائي المقرّبين على العشاء. أما عمرو دياب فهو صديق قديم لي وسبق وأن عملنا في حفلات مشتركة لكن لقاءنا هذه المرة كان مجرد صدفة في الفندق. علاقاتي كلها وطيدة بالنجوم المصريين ربما لأنني لا أضمر الحقد لأحد ما أو أشعر بالغيرة من أحد وحققت الكثير من النجاحات والله منحني أكثر مما أستحق.