رحلت بهدوء يوم الأحد بالعاصمة الأردنية عمان السيدة نهلة القدسي ، أرملة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وحب عمره، كما كان يقول دائما، وسافرت السيدة عصمت محمد عبدالوهاب، ابنة موسيقار الأجيال وعدد من أفراد الأسرة للمشاركة في تشييع الجنازة.
ومن المعروف أن نهلة سورية الأصل من إحدى عائلات مدينة حلب وكانت القدسي زوجة لعبد المنعم الرفاعي السياسي الأردني الشهير، وصادف أن كانت في العام 1957 في زیارة لبیروت في نفس الوقت الذي كان عبد الوهاب نزیلاً في أحد فنادقها وكان مریضاً وزارته مع بعض اصدقائها وحدث التعارف.
وعلى الرغم من استمرار زواج الموسيقار محمد عبد الوهاب من السيدة إقبال نصار لمدة 21 عاما، وإنجابه منها 5 أبناء، إلا أنهما انفصلا في نهاية الخمسينيات، ليتزوج بعدها بنهلة القدسي والتي استمرت معه حتى وفاته، حيث أغرم بها عبد الوهاب بمجرد أن وقعت عيناه عليها، و كانت ترتدي نظارة سوداء، وحينما حاول أن يزيحها عنها وبّخته نهلة وقالت له "ايه قلة الأدب دي"، فاعتذر لها، فتقبلت اعتذاره. واستمرت اللقاءات بينهما، حتى اكتشفا الكثير من الأمور المشتركة بينهما، على الرغم من أنه في تلك الفترة لم يكن قد انفصل عن زوجته الثانية إقبال نصار، ولكنه قرر الإرتباط بنهلة ومن المعروف أنه قام بتلحين أغنية "بفكر في اللي ناسيني" حيث كانت كلمات الأغنية عن مشاعره وعاطفته لها، وهي والدة السفير الأردني في القاهرة ورئيس وزراء الأردن عمر الرفاعي.
وروت القدسي بعض ذكرياتها مع عبد الوهاب في آخر لقاء صحافي لها أجرته منذ 20 عاما، حيث قالت إنها من أسرة عربية والدها سوري ووالداتها أردنية، ولدت في سوريا وفي سن السابعة انتقلت إلى الأردن. وتقول "لم أكن أشعر بالاستقلال عن عبد الوهاب تماما، فشخصيتي أصبحت مندمجة مع شخصيته وأصبحنا شخصية واحدة، أعطيته البيت والاستقرار والراحة وأخذت منه التعقل والصبر والتسامح".
وقالت إن عبد الوهاب كان شخصا عاديا، وغير متعب، على عكس ما يعتقد البعض أن الفنان يصعب إرضاؤه ولكنه في الحقيقة غير ذلك.
وتضيف كان في منتهى العصبية، ويمكن أن يضحي بأي شيء في سبيل فنه وأغلى ما عنده صحته وفنه وعن مسؤوليته كأب وصرحت القدسي :"كان حنونا جداً ولكن لا يحب أن يتحمل المسؤولية، وإذا تحملها بصورة محدودة، لأن الفن يشغله عن مسؤولية البيت والأبناء ولكنه يحب أبناءه جداً".
وقال موسيقار الأجيال الراحل محمد عبد الوهاب عن زوجته نهلة القدسي في حوار لإحدى المجلات اللبنانية :"كانت سيدة رائعة الجمال، لا أستطيع أن أنسى شكلها إلى اليوم، رأيت جمالاً رهيبًا لم أر مثله في حياتي، رأيتها تضع نظارة سوداء على عينيها، فخشيت أن تكون حولاء، فقلت لها: ما تشيلي النظارة يا هانم!، فقالت نهلة: لا.. والله عيني تعبانة، قلت لنفسي لا بدّ من الهجوم، وعرضت عليهما أن يتفرّجا على الجناح الذي أقيم فيه، ودخلت معي".
وأضاف عبد الوهاب في حواره: "انتهزت الفرصة ونزعت النظارة من فوق عيني نهلة، وإذا بها "تزغدني" في صدري وتقول: إيه قلّة الأدب دي!، قلت لها: متأسّف، ونظرت إلى عينيها وكدت أُجنّ بجمالها، وتبيّن لي أن الذي كانت تخفيه كان أجمل شيء فيها!، قلت لها: عرفت لماذا تضعين النظارة، لتخفي كل هذا الجمال، أنت رائعة الجمال، أنت شيء خطير، وجلسنا نتكلم واكتشفنا أن شيئًا واحدًا يجمعنا، أنا متعب في حياتي العائلية وهي متعبة في حياتها العائلية أيضًا، تعرّفنا على التعب المشترك بيننا، وإذا بنا نتّفق على تطبيع العلاقات كما تقول لغة السياسة الآن".
وقال ابنها عمر الرفاعي مؤخراً ، انها كانت تحب الفن الأصيل وكانت عاشقة لمصر ولا تطيق الغياب عنها طويلا وكانت تردد دائما ان لها ذكريات جميلة وكثيرة في مصر .
وكان للفن بعض التصريحات من الذين عاشوا وكانوا وقت الزمن الجميل على رأسهم الموسيقار هاني شنودة الذي كان يعرف القدسي عن قرب من خلال قربه من عبد الوهاب، حيث اعتبر انها لم تكن مجرد زوجة في حياة موسيقار الاجيال بل كانت تنظّم له حياته وكان وجودها في حياة عبد الوهاب حيويا لا يمكن الاستغناء عنه حيث كان عبد الوهاب يكره تحمل المسؤولية وكانت هي تقوم بهذا الدور في المنزل .
وقال حلمي بكر انه كان يزور عبد الوهاب في منزله وكان يلتقي كثيرا بالسيدة نهلة القدسي مشيراً الى انها كانت غاية في الثقافة والاخلاق وتذوق الفن الجميل وكانت دائمة التنقل بين القاهرة وعمان وقد استقرت مؤخراً في عمان بعد أن ساءت حالتها الصحية مع ابنها السفير عمر الرفاعي سفير الأردن السابق في القاهرة وابن الشاعر والسياسي الكبير عبد المنعم الرفاعي رئيس وزراء الأردن الأسبق .