"كل قلوب الناس جنسيتي.
. فلتسقطوا عني جواز السفر".. هو فعل إيمان بأن ما يجمعنا هو الحب والإنسانية، الحدود تتلاشى والقلوب تنبض بدقات واحدة متناسقة، لا فرق بين الجنسيات ما دامت الموسيقى توحّدنا في طرد الخوف وتجديد الأمل بالفن الراقي والهادف، الذي لا تضيع بوصلته عند الفنان مارسيل خليفة، منذ ثلاثين عاماً.
مارسيل الذي إفتتح مهرجانات بيت الدين، قبل ثلاثين عاماً، صعد ليل الأربعاء الماضي على مسرحه، في أمسية عنوانها (وعود من العاصفة)، وهو نفس عنوان الأمسية التي أقامها قبل ثلاثين عاماً، بحضور وجوه سياسية، فنية، وإجتماعية، ليجد جمهوره بالالاف ما زال يتوق إلى أغاني الذكريات والثورة، والشباب يردد هذه الأغاني بحناجر تصدح في أرجاء بيت الدين.
هو مارسيل الذي مرّ على الزمن بعد ثلاثين عاماً، فوجده يراوح زمانه ولا يبارح المكان.. لكن بالنسبة للموسيقى فكل الأزمنة والأمكنة تبقى صالحة لمقاومة الظروف، وهي شاهدة على إصرار الناس على ملاقاة مارسيل في رفع صوت الموسيقى، بوجه الظلم واليأس والإستسلام.
على مدى ساعتين من الوقت، قدّم مارسيل مع رفيق دربه "العود"، ترافقه فرقة الميادين المؤلّفة من أربعة موسيقيين يعزفون خلفه، من بينهم نجلاه رامي على "البيانو" وبشار على "الإيقاع"، العديد من أغانيه كـ"جواز السفر، بوليس الاشارة، ريتا، الليلة بدي خلي الكاس، تانغو لعيون حبيبتي، منتصب القامة امشي، يا بحرية، بغيبتك نزل الشتي، يا معاول الدنيا الفقيرة يا نسور، آخر الليل (قصيدة ملتزمة)، وفكّر بغيرك"، تصفيق الجمهور لم يهدأ، تفاعلهم بدا واضحاً، وتوقهم الى المزيد من بحر مارسيل تجلى بوضوح من خلال إمتلاء المدرجات والتلال القريبة والسطوح المحيطة بقصر بيت الدين، بهذا الجمهور، فشاركهم مارسيل بعض ما يساور قلبه وروحه، في أمسية الحنين والذكريات والإيمان بالمستقبل، قائلاً :"في كل هذه الهمروجة (الضجة) الموجودة حولنا يجب أن لا ننسى فلسطين، وكل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جواز السفر".
جمع مارسيل في أمسيته هذه، الذكريات والزمن الماضي بروح الموسيقى المتجددة والمعاصرة، فأبدع نجله رامي على البيانو، وقدّم صولات وجولات من العزف أبهرت الجمهور، لكن مارسيل لم يسلم من الإنتقادات، حيث عبّر البعض عن تذمرهم وعدم رضاهم، وتمنوا لو أن مارسيل عزف على عوده أكثر وقدّم أغانٍ إضافية من أرشيفه بصوته، مقابل إعطاء نجليه الحصة الأكبر من الأمسية بعزفيهما على آلاتهما ضمن وصلة موسيقى "الجاز"، ومن جملة هذه الإنتقادات مثلاً :"نحن أتينا لنسمع مارسيل لا نجليه".
على الرغم من الإنتقادات وتذمر البعض، كل ما في هذه الأمسية كان جميلاً، هي رسالة مارسيل الدائمة في إرادة الحياة والإستمرارية بوجه المآسي والصعاب، هي رسالة الموسيقى في إبتكار الأمل، الذي يبقى موجوداً في مكان ما .