جنوب لبنان ... ها هي انظارنا تتجه مجدداً نحوه لا لتبكي الشهداء ولا لتشكو ظلم العدو، انما لتفتخر بإستعادة الأرض والهيبة ودحر العدو.

في "جنوبنا" حكاية جميلة بعنوان "حكاية الأرض للسماء" تروي قصة حقيقية عن فصول وفصول من تاريخ لبنان وانتصاراته.

"قلعة مليتا" هي مسرح حربي حقيقي تحول عام 2010 إلى معلم سياحي يعرض لزواره حقبة تاريخية مهمة من العام 1982 وحتى اليوم. موقع "الفن" زار معلم مليتا العسكري الذي أدرج على لائحة "المعالم السياحية اللبنانية" وجال في المكان وكان لنا لقاء مع المدير الاعلامي لمعلم "مليتا" احمد منصور، واليكم التفاصيل:

بداية حدثنا عن هذا المكان وماذا يحتوي والفكرة التي بني على أساسها؟

معلم مليتا السياحي هو أول موقع عسكري انطلقت منه المقاومة في عملياتها العسكرية وتم التفكير بتحويله إلى معلم سياحي وذلك بعد حرب تموز، وكانت الفكرة واردة بشكل دائم لدى قيادة المقاومة أن يكون هناك مكان يشرح للناس او يعبر لهم كيف كان الشباب موجودين في المواقع العسكرية وكيف كانوا يعيشون فيه وينطلقون من هذه الأماكن.

ولماذا تم اختيار موقع "مليتا" ؟

تم اختيار موقع مليتا لأنه تم الكشف عنه وهو موقع استراتيجي بحت في تلك المرحلة من الصراع أي مرحلة الثمانينيات والتسعينيات وكان هو النقطة الوسطية بين إقليم التفاح والمناطق التي تحررت في عام 1985 وبين كل المواقع العسكرية المواجهة لمعلم مليتا السياحي من جهة الشرق فبالتالي كان يشكل حماية للقرى المحررة حين كانت تتم العمليات العسكرية وفي الوقت نفسه هو مواجه للنقاط العسكرية المقابلة.

من هنا أهمية مليتا الاستراتيجية سواء كانت لحزب الله أو للعدو، فلو حصل العدو على هذه التلة لكان قادراً على أن يسيطر على كل إقليم التفاح ومناطق النبطية والشقيف وكل المناطق الواقعة خلف مليتا، وهذه أهميته الاستراتيجية وتحول هذا المكان وبدأ التفكير به بعد حرب تموز، فبدأ وضع المخططات، القيادة، الدراسة، المهندسين، إذ بدأوا العمل بشكل فعلي وجدي وكانوا يقولون إنه كان حلماً للحاج رضوان أو الحاج عماد مغنية أن يفتتح هذا المعلم او أن يكون معلماً سياحياً لذلك سنجد في الهاوية على الجدار الذهبي إمضاء الحاج عماد وهو الشاهد على النصرين، تحرير الـ 2000 ونصر تموز الـ 2006.

ومتى بدأ العمل الفعلي لإنجاز هذا المشروع ؟

بدأ العمل الفعلي في أواخر الـ 2008 أو في أوائل الـ 2009 بدأ وضع حجر الأساس وانطلقت عمليات الحفر والبناء إلى أن أنجز المعلم وافتتح في 21 أيار 2010.

بالتأكيد كان هناك فريق من المهندسين يعمل على تحويل المكان إلى معلم سياحي، ما هي التوجيهات التي اعطيت لهم أو تركت الحرية لهم في التصرف بالأشكال الهندسية لأنهم كانوا أكثر من مهندس، وكيف توزع العمل بينهم؟

العمل الجماعي هو أساس العمل في المعلم، كان هناك خطوط عريضة وتوجيهات من الأمين العام أهمها أن الأراضي غير المملوكة لنا لا نستطيع أن نضع فيها حجراً حتى، إلا إذا مالك الأرض سمح لنا بذلك، ومن التوجيهات الأخرى الإبقاء على طبيعة المعلم، أي على البيئة الموجودة فيه، أشجار السنديان والبلوط بشكلها السابق وعدم قطعها ووضع مبنى مكانها إلا عند الحاجة. كما ان المسار الحقيقي للمقاومين والشباب يجب أن يبقى بالشكل الذي يوحي للناس ويجعلهم يتفاعلون معهم حين يسيرون فيه فيشعرون بأنهم يعيشون المرحلة نفسها، أما بالنسبة للرسم الهندسي والبناء فكان من وحي الأفكار المشتركة فتوصلوا الى أن يكون شكل المباني يتوافق مع طبيعة المكان، وكما نرى فالمباني ليست هندسية بشكل ان جدرانها ليست مستقيمة بل مائلة فتعطي انكساراً للمبنى وحتى من الجو لا توحي لك بأنها مبانٍ حقيقية من هنا جاءت الفكرة العامة، إضافة إلى مسألة الشرق والغرب، وتلة الشهداء ارتفاعها 1100 متر والهاوية هي أكثر نقطة مقابلة وارتفاعها 950 متر بأرض المعلم، ومن هنا أتت فكرة المعلم، فيمثل الشرق مشروع المقاومة والغرب حيث الهاوية يمثل سقوط مشروع العدو.

إذا أردنا أن نتحدث أكثر عن مقتنيات هذا المعلم السياحي اليوم يحوي جزأين، جزءاً يحوي غنائم حرب وجزءاً يعود للمقاومين الذين كانوا موجودين في تلك المنطقة؟

غنائم الحرب الموجودة هنا رمزية ، وأخذت من فترة الصراع في الـ82 وحتى 2006 من أماكن مختلفة في الجنوب بالطبع وضعت في المعلم كي يشاهد الناس المقاومين وكيف كانت إنجازاتهم في تلك الفترة، كالحصول على ملالة أو دبابة أو قطعة سلاح، على منظار حربي، كل هذه الأمور تشكل رمزية لدى المقاومين بمراحلها المختلفة، مقتنيات المقاومين هي الأرض أو حبات التراب، فالمقاومون كانوا يتناوبون على هذا المكان بالآلاف. نحن نعتبر أرض مليتا كلها للشهداء والمقاومين لأن أرواحهم ما زالت تخيّم في هذا المكان ويشعر الناس بصفاء نفسي وروحي حين يسيرون في هذا المكان خصوصاً في فترات الصباح الأولى وفي فترات العصر، وهناك من لديهم ارتباطات في هذا المكان فقد يكون لديهم شهيد أو جريح أو احد كان يخدم هنا وكل إنسان يعبر عن مشاعره بطريقته من ناحية تفاعله مع هذا المكان.

نود ان نتحدث عن الناس الذين يقصدون هذا المعلم الذي احتفل بعامه الخامس أخيراً. كم هي نسبة الناس التي تأتي إلى هنا وما هي جنسيات الزوار؟

المعلم عمره خمس سنوات، وفي السنة الأولى كانت كثافة الزوار كبيرة بالطبع لأنها سنة الافتتاح، فكان يزور المعلم قرابة الـ 750 ألف شخص تقريباً، ولاحقاً مع تتابع السنوات وما مر في المنطقة من أحداث سياسية محيطة سواء في صيدا وإقفال الطريق أثر علينا قليلاً وحتى بالنسبة للوضع السياحي العام في لبنان وحتى الآن وصلنا إلى مليون وأربعمائة وثمانين ألف زائر، طبعاً معظمهم لبنانيون من كافة المناطق والتيارات والقوى المختلفة السياسية والثقافية والفكرية، ونسبة الأجانب الأوروبيين أو الأميركيين أو الآسيويين أو حتى العرب والأفارقة تصل إلى حد الـ 20 بالمئة تقريباً ويكون لدينا في الشهر عدد زوار يتراوح بين الـ 150 و500 زائر عربي وأجنبي تبعاً لمواسم السياحة في الصيف والشتاء.

وهناك مواسم تتركز فيها بعض الجنسيات، ففي 20 آذار تجد عدد الإيرانيين أكثر و في نيسان أيضاً ، بأواخر نيسان وفي أيار وأوائل حزيران يأتينا زوار من المدارس والجامعات والمعاهد وهي الفئة التربوية من الناس فتجد رحلاتهم كلها تتركز على مليتا إضافة إلى الاتحادات العربية والنقابات فيكون لديهم بعض الأنشطة التي إما يفتتحونها أو يختتمونها في مليتا ومنظمة التحرير الفلسطينية تحيي ذكرى النكبة في مليتا وحتى الأحزاب اللبنانية كالتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي، تيار المردة، بشكل مختلف يأتون كوفود شعبية أو مناطقية وفاعليات وجمعيات كجمعية "بلدتي" وهذا النمط من الجمعيات إضافة إلى البلديات التي تقوم ببعض النشاطات من الاجتماعية، الرجال والنساء المتقدمون في السن الموجودون في هذه المناطق ينظمون لهم رحلات ويأتون لزيارة المعلم.

اليوم نتحدث عن مليون وأربعمائة ألف زائر، من خلال متابعتكم هل هناك أشخاص يقصدون هذا المكان حتى لو لم يكونوا مؤيدين لسياسة الجهة التابع لها هذا المعلم؟

بطبيعة الحال معلم مليتا هو معلم سياحي بمعنى المكان الموجود فيه إقليم التفاح على تخوم جبل صافي ما يجعله معلماً سياحياً بغض النظر عن هويته، وقد يكون بعض الزائرين لا يعلمون ماهية المعلم، ويتفاجأون حين يأتون إلى المعلم فيدخلون ويزوروه وهناك البعض هكذا ولو كانوا قلة نادرة. أنا شخصياً قابلت بعض الزوار ولا أعتقد ان كلهم مؤيدون لكن نسبة عدم التأييد قد تكون ضئيلة او ان هؤلاء الأشخاص آتون من ضمن اتحادات عربية او نقابات كنقابة المحامين في لبنان مثلاً وقد يكون ضمن الوفد أشخاص لديهم توجه سياسي مختلف لكن للحقيقة كل هؤلاء الأشخاص الذين مروا بهذا المعلم يقولون "يعطيكن العافية، شي كتير مهم"، وبعضهم يقولون إن هذا المعلم يؤكد أن هناك أموراً تجمع ولا تفرق.

وكان هناك شخص من الـLBCI زار المعلم وقابل الشباب وقال لهم في ختام زيارته "على الرغم من بعض التوجهات إلا أن العدو يبقى واحداً وهو إسرائيل" وهذا التصريح مسجل وموجود لدينا وآخر قال :"بغض النظر عن التوجه السياسي لكن هذا المكان يجب ان يسجل في تاريخ لبنان"، وأحد مدرسي التاريخ الذي زار المعلم ضمن رحلة لإحدى المدارس قال في كلمته :"انه يجب لاحقاً أن يسجل في كتاب التاريخ أن المقاومة دحرت العدو وحققت هذا الإنجاز العظيم للبنان".

بشكل عام طبيعة وتركيبة وشكل المعلم يجعل كل من يزوره في النهاية بغض النظر عمن يختلف معك بالفكر والرأي يوجه لنا كل تحية ونحن نوجه كل تحية له وندعو الجميع لزيارة هذا المعلم لأنه مرحلة من تاريخ لبنان وإذا كان أحد لديه وجهة نظر مختلفة ممكن أن تصحح أو تتغير أو تتحسن للأفضل، ويبقى للنقاش مكان.

من أحدث الأمور التي حدثت هو إدراج المعلم على لائحة وزارة السياحة والاعتراف به كمعلم سياحي؟

افتتحنا مع وزارة السياحة معرضاً في العام 2012 في شكله الجديد وهو متحف مغلق يحكي عن صراع تموز، فوزير الثقافة الأسبق غابي ليّون هو من افتتح المعرض وأيضاً لدينا شعار وزارة الثقافة، وأتى أيضاً وزير السياحة السابق فادي عبود ولدينا شهادة موقعة منه أن هذا المعلم هو ضمن المعالم السياحية الموجودة في لبنان ، ونقوم نحن بنوع من التسويق والترويج للمعلم وإدراج إعلانات في بعض المجلات الموجودة.

إدراج معلم مليتا ضمن المعالم السياحية اللبنانية هل يلغي استقلالية المعلم وهل يفرض تدخلاً من قبل الجهات الرسمية؟

لا فالجيش اللبناني يكشف على الأسلحة الموجودة إذا كان من الممكن ان تعرض وإذا كانت غير محشوة بالرصاص ويعطينا الموافقة. وحين نأخذ تصريح وزارتي الثقافة والسياحة تكون هناك إجراءات عديدة يجب المرور بها. وقريباً سنطلق المعلم بشكل جديد.

يشكو بعض اللبنانيين من أن رسم دخول بعض المعالم السياحية مرتفع جداً والقصة أصبحت تجارية أكثر، ما هو وضع مليتا بهذا المجال ؟

مبلغ الدخول إلى معلم مليتا رمزي ويبلغ 2000 ليرة ولم يكن الهدف من هذا الرسم هو الربح، لأن الجمعية التابعة لهذا المعلم هي جمعية إحياء التراث أو السياحة ولا تبغي الربح ومن أكثر توجيهات سماحة السيد هو ان المعلم ليس للربح بل هو ليتعرف اللبنانيون على جزء من تاريخ لبنان ولنحفظ تاريخ المقاومة بشكل جماعي. هذا المكان هو سياحي، ثقافي، تاريخي، تربوي ، فيه الذاكرة ويحوي أموراً عديدة ومن يزور المعلم يجد كل شيء حتى من الناحية الترفيهية، فيجلس مع عائلته في الحديقة فهناك أماكن مفتوحة، فيستطيع أن يجلس تحت الأشجار إلى جانب الورود ويشاهد منظر الجبال المقابلة، والثقافة موجودة لدى من يبحث عن الثقافة والتاريخ وذاكرة المقاومة.

هل تفكرون بإضافات على المعلم او هل قد نشهد معلماً مماثلاً في مناطق أخرى؟

أجل، في بيروت هناك مركز لآثار الشهداء ومن ضمن المخططات التي تدرس قد يكون هناك شيء في بيروت مخصص لآثار الشهداء، ومن ضمن المعلم هناك بعض المساحات التي من الممكن أن تفتتح لتحكي قصة جديدة، لأن رمز المعلم هو حكاية الأرض للسماء وحكاية الأرض للسماء لا تنتهي وموجودة ومستمرة، وهناك أجزاء تدرس وهناك أمور في المخطط لاحقاً ولكن الدراسات تتطلب وقتاً كي تكون بالشكل المميز وتكون شيئاً جديداً.

حكي عن تلفريك ومركز في الطبيعية للتخييم والرياضة الجبلية، متى ستبصر هذه الأمور النور؟

الوضع العام في البلد يجعلنا نؤجل بعض المشاريع ولكن يجب أن نسير على نفس الوتيرة، فالمعلم لا يبغي الربح ولا نود أن نقع تحت رحمة بعض المستثمرين الذين يفكرون بالربح حين نود افتتاح هكذا مشروع ليكون مناسباً للجميع، ونحن نبحث عن طريقة حين نود القيام بهذا المشروع، وكان من المفترض ان يطلق التلفريك في عام الـ 2014 وتأجل ، وكل مشاريع توسيع أو الإضافات للمعلم تخضع لتوجيهات سماحة السيد لان النقاش يكون معه في هكذا أمور وتكون هناك أولويات وفق المرحلة الحالية.

في الختام أود أن تعطينا فكرة عن الأوقات التي يستقبل فيها المعلم الزوار سنوياً ويومياً؟

بشكل عام معلم مليتا السياحي يتميز عن باقي المعالم الأخرى أنه مفتوح طوال العام ولا يغلق في أيام محددة إلا بسبب تساقط الثلوج لأن الطرق تقطع حينها، لكن أيضاً عندما تفتح الطريق فالناس تزور المعلم وتلعب بالثلج، والمعلم مفتوحة أبوابه يومياً حتى في الأعياد ما بين الساعة التاسعة صباحاً حتى ما قبل غروب الشمس، فإذا كانت الشمس تغرب الساعة السابعة والنصف نقفل الساعة السابعة لأن الجولة في المعلم تتطلب ساعة، وأقول لمن يود زيارة المعلم أن لديهم ساعة ونصف من الزمن كي يجولوا في المكان ويشاهدوا فيلماً وثائقياً، كي يأخذوا وقتهم وليس هذا الحديث عن قيمة رسم الدخول، فمن يدفع الرسم يجب أن يرى المعلم وإذا لم يره اليوم سيأتي مرة ثانية.

وأنصح من يود أن يأتي متأخراً بأن يأتي في السادسة مساء كي يتسنى له الوقت الكافي للإطلاع وزيارة المعلم والتجول فيه، فيكون لديه وقت حتى السابعة مساء أو السابعة والنصف وهكذا نستقبله ويرافقه دليل سياحي مجاناً، لأن خدمة الدليل السياحي في المعلم مجانية وهذه مهمة جداً ومتوفرة بمعظم اللغات الإسبانية الإنكليزية الفرنسية الإيطالية الفارسية والعربية أيضاً والألمانية، الشباب الموجودون يتحدثون بهذه اللغات وهكذا نقدم لهم خدمة أفضل ويستطيع الزائر أن يتواصل معنا عبر هاتف المعلم وأن يحجز مسبقاً إذا كانوا مجموعات أو وفوداً كبيرة، وهناك أيضاً مطعم في المعلم يقدم خدماته للزوار وجلسته مطلة على جبل صافي واللويزة والجبال المحيطة فيه.

شكراً جزيلاً لك ونتمنى لك موسماً سياحياً ناشطاً.

شكراً جزيلاً وأهلاً وسهلاً بك مجدداً.

لمشاهدة ألبوم الصور .. اضغط هنا.