في سيرته يبدو وزير الآثار المصري الأسبق زاهي حواس مفتوناً بتاريخ بلده الذي يراه "دولة عظمى في الآثار" ولكنه ينبه إلى خطورة نزيف تهريب ما يكتشفه الأهالي من قطع فرعونية غير مسجلة.
ويقول في كتابه (40 سنة حفائر) أن "سوق الآثار المسروقة الآن ودائما مشكلة للأثريين" وأن الأصعب هو مكافحة تهريب الآثار غير المسجلة التي يكتشفها الأهالي في عمليات الحفر خلسة التي يحقق بعضهم من ورائها ثراء سريعا.
ويروي أن أحد هؤلاء "كان حارسا لمعبد تحوت (في محافظة المنيا) وأصبح ثريا وله تأثيره في تجارة الآثار". وتحوت الذي تتخذه جامعة القاهرة رمزا لها كان إله الحكمة في مصر القديمة وينسب إليه اكتشاف الكتابة قبل الميلاد بنحو أربعة آلاف عام ثم أصبح اسمه (هيرمس) لدى اليونان.
ويقول حواس إنه كان بصحبة الشرطة حين داهمت منزل الرجل الذي عثر في فناء منزله على قطع أثرية "وفوجئت بالرجل يصرخ في وجهي قائلا: لماذا أتيتم إلى هنا؟ هذا الأثر يخصني أنا وأسلافي وليس لكم الحق في أخذه."
والكتاب من إصدارات الدار المصرية اللبنانية في القاهرة ويقع في 271 صفحة مزودة بعدد كبير من الصور الفوتوغرافية لحواس في مراحل عمرية ومواقع أثرية مختلفة. وتزامن صدوره مع عيد ميلاد مؤلفه في 28 مايو أيار 1947.
عمل حواس عام 1969 مساعد مفتش بمنطقة تونا الجبل الأثرية في محافظة المنيا على بعد 240 كليومترا جنوبي القاهرة. ويقول في مقدمة الكتاب إنه كان "سفيرا" للآثار حول العالم عمل منذ السبعينيات في منطقة الجيزة التي تضم الأهرام الثلاثة وتمثال أبو الهول ثم سافر عام 1980 إلى الولايات المتحدة في منحة دراسية ونال الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا عام 1987 وفي العام نفسه أصبح مديرا عاما لآثار الجيزة وفي عام 2002 تولى أمانة المجلس الأعلى للآثار.
ويصف هضبة الأهرام بأنها "أروع مكان في العالم" أما الأهرام الثلاثة التي كانت أضرحة للملوك فهي بمثابة "مدن معابد متقنة" حيث يضم الهرم الأكبر -هرم الملك خوفو الذي حكم بين عامي 2609 و2584 قبل الميلاد- 1.3 مليون كتلة من الحجر وتغطي قاعدته مساحة تبلغ نحو 13 فدانا.
ويرجح حواس أن مشروع بناء الهرم في بدايات تأسيس الدولة كان بمثابة قوة وطنية "مهولة". ويرى أن لهرم خوفو دلالات سياسية واجتماعية واقتصادية ومعمارية على ذلك العصر إذ شارك المصريون "في مشروع الهرم من خلال العمالة والطعام" باعتبار الهرم مشروعا قوميا.
وينفي أن تكون الأهرام بنيت بالسخرة أو على أيدي عبيد مشددا على أن بناة الأهرام لم يعملوا "في خدمة طغاة مستبدين... قاموا بهذا النوع من الأعمال طواعية وعن إيمان وحب لملكهم... الأهرام بنيت على يد مصريين وطنيين" موضحا أن الأهرام كمشروعات وطنية ضخمة امتد العمل بها عبر ثلاثة أجيال.
وصورت أفلام أمريكية منها (الوصايا العشر) 1956 إخراج سيسيل دي ميل ما يراه النقاد والمؤرخون المصريون تزييفا للحقائق وخلطا لترتيب وقائع التاريخ مثل الربط بين خروج اليهود من مصر وبناء الهرم الذي يقول الفيلم إن اليهود تم تسخيرهم في بنائه.
ويقول حواس "شاركت هوليوود في هذا التشويش... وهذا الفهم الخاطئ ما زال مستمرا." ويرى أن ما يسميه الكشف العظيم عام 1990 بالعثور على مقابر العمال بناة الأهرام ينسف هذا الادعاء.
ويضيف أن منطقة الأهرام "من أصعب وأعقد المواقع الأثرية على مستوى العالم" بسبب ما طالها من إهمال لفترات طويلة. ويحث على ضرورة الاهتمام بصيانتها وإلا "سوف تنهار وتضيع للأبد".
ويضرب المثل بحجرات الدفن في الأهرام الثلاثة التي تعاني زحام السائحين "حيث إن كل سائح ينتج قرابة 28 جراما من الرطوبة" إضافة إلى ما يسببه التنفس من تكوينات ملحية على الحجر الجيري بصورة ربما تؤدي إلى تفتيته كما أن بعض الزائرين "يجدون متعة في ترك ذكراهم عن طريق الكتابة على الجدران دون أي اعتبار لقدسية الآثار القديمة."
وكانت وزارة الآثار قالت في بيان يوم 27 مايو أيار 2013 إن سائحا من الصين - بمعبد أحدث تشوهات بجدارية منحوتة نحتا غائرا -تجسد الإسكندر الأكبر في وضع الوقوف بالأقصر على بعد نحو 700 كيلومتر جنوبي القاهرة حيث سجل اسمه على الجدارية وإن متخصصين في الترميم تمكنوا من إزالتها وأحيل مسؤولو المعبد للتحقيق بتهمة التقصير.
ويسجل حواس أنه اكتشف عام 1980 أن كثافة الداخلين إلى هرم خوفو رفعت نسبة الرطوبة "إلى نسب مرعبة تصل إلى نحو 80 بالمئة" كما بلغ سمك الأملاح في مناطق بجدران البهو ثمانية سنتيمترات.
وأصدر حواس قرابة 30 كتابا عن المصريين القدماء وعن اكتشافاته الأثرية وعادات وتقاليد الفراعنة من أبرزها (مغامرات في وادي الملوك) و(بناة الأهرام) و(معجزة الهرم الأكبر) و(الألعاب والتسلية والترفيه عند المصري القديم) والتي ترجمت بعضها إلى لغات أجنبية.