أعادت "الأخت ايمانويل" للمسرح رونقه ودروه السامي في مشاركة الجمهور الرسائل الاجتماعية والانسانية المهمة التي تساهم في تطوير الحياة البشرية ووضعها على السكة الصحيحة. فبعيداً عن التعري والأضواء الحارقة والاصوات الصاخبة والمجسمات الضخمة، وفي مسرح لطالما احتضن براءة الاطفال، كانت "اعترافات راهبة" كفيلة باشعال "نار محبة الآخر" في قلوب كل من حضر لمشاهدة مونولوغ لا يقل ابداعاً عن أي عمل عالمي آخر.

المسرح الخالي تحول إلى معلب عرضت فيه الممثلة فرنسواز تورياس، التي تؤدي دور "الأخت ايمانويل"، مهاراتها التمثيلة العالية. كانت العنصر الوحيد المتحرك على المسرح والذي يعطي لهذه الخشبة الحياة ويكسر جمادها.

قصة المسرحية

قد تكون النسبة الأكبر من الناس تعرف الأخت ايمانويل في المرحلة الأخيرة من حياتها وتعرف ماذا حققت في العالم وتحديداً في مصر مع الفقراء والذين يجمعون النفايات وكيف عاشت معهم. ولكن الفترة التي سبق ذلك فهي مجهولة بالنسبة للكثيرين وقد يعتقد البعض انه من البديهي ان تكون خلفية الأخت ايمانويل مبنية على طفولة هادئة كلها ايمان وصلاة. هذا العمل يكشف لنا طفولة الاخت ايمانويل وماذا أثر في حياتها، فنحن كنا امام شريط حياة هذه الراهبة وشاهدنا كل ما عاشته حتى حققت رسالتها الاسمى في الحياة.

ومن خلال ما حلمه لنا هذا العرض من معلومات موثقة عن الراهبة الفرنسية، اكتشفنا ما لا يعرفه كثيرون عنها وعن أنها كانت تعيش صراعا داخلياً كونها كانت تريد أن تتزوج من جهة وان تصبح راهبة من جهة أخرى. مرت بمراحل ومواقف طبيعية في حياتها لدرجة انها فكرت انها ستحقق المستحيل ولكنها لم تلتق بيسوع إلا عندما نزلت إلى الناس وعاشت مع الفقراء. لقد ضحكنا معها وبكينا وتأثرنا وحزنا .. كان هذا العرض حاوياً لكل الاحاسيس التي يمكن أن تشعر بها.

ومن ابرز المشاهد المؤثرة في العرض، والتي انطبعت فينا كانت تلك التي روت فيها تجربتها في مصر حيث التقت بأمهات يحملن أطفالهن المائتين وكانت النسوة يقلن أن أطفالهن أصبحوا عند الله. هذا المشهد الذي اتقنت الممثلة تقديمه لدرجة جعلت اعين معظم الجمهور تدمع .

كما تجدر الاشارة إلى ان الختام كان مع بعض المقاطع المصورة ظهرت فيها الأخت ايمانويل مع الناس الذين عملت معهم وبينهم، بالاضافة إلى مقطع من المقابلة الاخيرة التي اجرتها حيث قالوا لها انهم سيكرمونها ولكنها رفضت وقالت أن التكريم الحقيقي لها هو في السماء وبالفعل ماتت الأخت ايمانويل قبل ان تكرّم.

الممثلة فرنسواز تورياس

كانت هذه الممثلة وحدها على المسرح ورغم ذلك كنا نستطيع ان نرى الناس الذين تتحدث عنهم، عندما تحدثت عن والدها كان بامكاننا أن نتخيله امامنا، وعندما تحدثت عن أشقائها كنا نتصورها تعلب معهم وتركض. استطاعت ان تخلق عالماً حديداً على المسرح الفارغ، استطاع ان تبّدل هذا العالم مع كل فصل من فصول سيرة حياة الأخت ايمانويل.

اداء تورياس كان مدهشاً وكانت تملأ المسرح بوجودها وحيدة على خشبته. استطاعت الممثلة ان تخلق عالما خيالياً على المسرح من خلال ادائها وحركتها على المسرح.

لا مكان في هذا العمل للملل. فنحن لم نكن نتابع العرض بل كنا نعيشه .. كنا نعيش احداث العمل ولا نستمع اليها فقط .

ولا بد من الاشارة إلى ان الممثلة لم تتعرف ولم تلتقِ شخصياً بالاخت ايمانيويل ورغم ذلك استطاعت أن تلبس الشخصية وتعيشها.. وبالتالي لم تكن مجردة مؤدية لهذا الدور .

المخرج مكايل لونسدال

بصمات مخرج العمل بدت واضحة من حيث ادارة الممثلة التي تجلت في القالب الذي وضع فيه بطلة عمله. العرض متماسك ويجذب المشاهد من اللحظة الأولى حتى نهاية العرض . لا يمكنك ان تتوقف عن متابعة العرض والقصة ولا لحظة.

انطباعات الجمهور

خلال العرض كان الجمهور بحبس أنفاسه ويتابع العرض بكل تفاصيله ... وبعد انتهاء العرض، خرج الجمهور متأثرا جداً ومندهشا بما شاهده من عرض مسرحي. من يعرف هذه الراهبة تعمق في معرفته لها ومن لا يعرفها تعرف اليها . العمل يحمل الكثير من الرسائل الانسانية، ابرزها الرسالة التي حملتها الأخت ايمانويل في حياتها :" كلنا يمكننا ان نساعد الآخرين وأن نحب يسوع من خلال الآخر". كما تعرفنا من خلال المسرحية على حياة هذه الراهبة قبل ان تسلط الأضواء عليها عالمياً أي خلال الفترة التي سبقت عملها الرهباني.