ما يجمع اللبنانيين ويوحدهم أكبر بكثير مما يفرقهم، ألا وهو الوطن الذي نعيش في ربوعه، فالوطن هوية وانتماء ومحبة وكرامة وحرية، وعندما يتجذر فينا حب الوطن فإننا نقدم كل ما هو غال ونفيس في سبيل رفعته ومنعته وعزته، حتى تصل الأمور إلى بذل أغلى ما لدينا وهي أرواحنا.

إن الشهادة في سبيل الوطن هي أرفع وأرقى تضحية نقدمها حين نثبت على مبدئنا ونستشعر الخطر المحدق ببلدنا، فتمتزج دماء الشهداء من كل المناطق وعلى اختلاف طوائفهم وحتى رؤيتهم لمستقبل بلدهم ولتكوينه السياسي، لتعمد بالدم تراباً أصبح أغلى من الروح والعائلة والولد.

شهداؤنا هم عزتنا، هم من رسموا وما يزالون طريق الحرية، ويسيرون في درب جلجتهم ليقونا مخاطر تهددنا في أمننا وسلامنا،

في عيدهم، لا نستطيع إلا أن نقول إن تضحياتهم لم تذهب هدراً، على الرغم من سيل الشهداء الذي ما زال يسقط على مذبح الوطن منذ إعدام العثمانيين في 6 أيار 1916 كوكبة من خيرة أبناء لبنان، فقط لأنهم أرادوا رفع الظلم والجور اللاحق بشعب لبنان الأبي، الذي لم يقبل يوماً أن يدنس ترابه محتل أو أن تفرض إرادة غريبة على إرادته في الاستقلال والحرية والسلام والعدالة.

وحتى لا يستشهدوا من جديد، وحتى لا تذهب تضحيات كل من استشهد بعدهم هدراً من صحافيين ومن أبناء المؤسسة العسكرية وكل شهيد بذل روحه لإعلاء كلمة لبنان عالياً، يجب علينا أن نتوحد بالمحبة في مواجهة الحقد، وبالترفع عن الانتماءات الضيقة التي تأسرنا في بوتقة المصالح الشخصية، لنسمو بالمحبة وحدها ولتكون العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات هي المسيطرة على تعاملنا مع بعضنا وعلى حياتنا.

فالوطن ليس أشخاصاً لكن شهداءنا أصبحوا رموزاً للوطن، وهنا لا بد من التنويه بأننا لا نود أن يسقط المزيد من الشهداء في حروب عبثية كالتي مرت على لبنان، فبدل أن نعيش فتناً تهدد أمننا ووحدتنا ويذهب ضحيتها الشهداء، فلنبني على ما قدمه شهداؤنا لتكون تضحيتهم لنا حياة فتعلمنا أن لا نتفرق فنقع، وأن يكون ولاؤنا للوطن فقط وليس لأشخاص، هكذا نريح أرواح شهدائنا لأنهم استشهدوا كي يبقى الوطن لا كي يشهد انقسامات وأحقاداً.

ولا بد من رفع القبعة لشهداء السادس من أيار كما الشهداء الذين سقطوا في السنوات التي تلت وحتى اليوم من كل الأطياف وعلى كل الجبهات، ونخص بالتحية شهداء الجيش والصحافة، الذين نزفت أقلامهم دماً لتخط مسيرة الحرية والكرامة.