"خايف أموت من غير ما أشوف تغير في الظروف تغير في الوشوش وتغير الصنوف والمحدوفين ورا الصفوف متبسمين في الاول .." كانت هذه من آخر الكلمات التي غزلها "الخال" عبد الرحمن الابنودي الذي توفي عن عمر يناهز السادسة والسبعين، الابنودي أو "الخال" كما يطلق عليه الشعب المصري الذي ولد في محافظة قنا جنوب مصر ، رحل بعدما لمست دواوينه وازجاله اوتار الحب ولاقت قصائده اصوات الحماسة في اوقات الانكسار والانتصار التي عاشها وما زال يعيشها الشعب المصري، كان الابنودي شديد الاحتكاك بهموم الوطن واحلام المواطنين فهو لم يتخلَّ عنهم في اي ازمة او فرحة حظوا بها، الابنودي الذي كتب قصيدة "عدى النهار" التي غناها العندليب عبد الحليم حافظ بعد نكسة 1967، هو نفسه الذي كتب قصيدة "ضحكة المساجين" التي غناها الفنان علي الحجار عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، فمن جانبها نعت الرئاسة المصرية الشاعر عبد الرحمن الابنودي وقالت إن الأبنودي أثرى الشعر العامي.
عانى الأبنودي من تدهور في حالته الصحية أخيرا، إثر جراحة أجراها في المخ في مستشفى الجلاء العسكري في القاهرة، وفق ما أفادت مصادر مقربة منه وقد منحت القاهرة الأبنودي شهرة عريضة حرمته أن يواصل الإقامة بها، إذ تعرض لأزمات صحية في السنوات الأخيرة ونصحه الأطباء بالابتعاد عن هواء العاصمة، الذي لم يعد ملائما لرئتيه فأقام في منزله الريفي القريب من مدينة الإسماعيلية على بعد نحو 130 كيلومترا شرقي القاهرة، وترك الأبنودي دواوين شعرية مسموعة وكتب أكثر من 700 أغنية لمطربين عرب منهم وردة الجزائرية وماجدة الرومي وصباح ومن المصريين عبدالحليم حافظ وشادية ونجاة ومحمد رشدي ومحمد منير ومن هذه الأغاني "عدى النهار" و"أحضان الحبايب" و"تحت الشجر يا وهيبة" و"عيون القلب" و"طبعا أحباب" و"آه يا أسمراني اللون"، كما كتب حوار وأغاني فيلم "شيء من الخوف" لحسين كمال وشارك في كتابة سيناريو وحوار فيلم "الطوق والإسورة" الذي أخرجه خيري بشارة عن رواية يحيى الطاهر عبد الله، وكرم الأبنودي في عدد من الدول العربية ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب من مصر 2000 وكان أول شاعر عامية يفوز بها، كما نال عام 2010 جائزة مبارك "النيل الآن" في الآداب وهي أرفع جائزة في البلاد.
وقد حضر جنازة الشاعر الكبير والذي تم دفنه مساء أمس في مقابره بمنطقة جبل مريم بمدينة الإسماعيلية ، العديد من الوجوه السياسية والعسكرية والفنية على رأسهم الفنان محمد منير و الفنان علي الحجار الذى نعى "الخال" بكل اسى وتذكر الاغنيات التي كتبها له و عبر عن مدى حزنه وصدمته إذ لم يكن عبد الرحمن الابنودي بالنسبة له مجرد شاعر او كاتب اغان بل كان "خال" له بالفعل .
ومن جانبه عبر ايضا الفنان محمد الحلو عن حزنه لرحيل الابنودي واكد أنه في هذا اليوم ماتت في مصر موهبة بحجم عالم، موهبة لا يملكها بعد اليوم إلا تراث الإنسانية الذي اغتنى بحياتها ولا عزاء لضيّقي الأفق"، وقد اكتفى الشاعر سيد حجاب بالقول "إن الابنودي غيّر فكرة المثقف النمطي الذي يمكث في مكتبه يكوّن الافكار ويدوّنها فهو لم يتعامل طوال حياته على انه قارئ ومثقف و شاعر بل هو كان يتعامل على انه مصري"، اما الاعلامي حسين عبد الغني فيرى أن "ميزة الابندودي تكمن في انه كان مبدعاً في عصر جمال عبد الناصر واستمر مبدعاً في عهد محمد انور السادات وفي عهد محمد حسني مبارك واستمر مبدعا بعد ثورة يناير العظيمة وظل كذلك حتى انتفاضة 30 يونيو فهو الذي كتب قصيدة الميدان وقال فيها " ارحلي يا دولة العواجيز" .
"مات قبل ما نشتغل مع بعض" بصوت باكٍ هذا ما قالته الفنانة لبلبة معبرة عن حزنها على رحيل الابنودي الذي على الرغم من مرضه لكن وفاته كانت مفاجأة، حيث انها كانت على اتصال به قبل ايام من الوفاة وكانا يتفقان على كتابة اغان لها تغنيها للاطفال .
أما الفنانة يسرا فحزنها وصل لمرحلة الانهيار حيث أنها كانت من عشاق الخال – كما روت لـ"الفن" واكدت "أننا فقدنا ضميراً مصرياً خالصاً رحل بعد ان حفر عميقاً بشعره وحضوره وحديثه في وجدان المصريين وذاكرتهم، فهو باق ويبقى ايضاً وجع فراقك يا خال، مع السلامة يا غالي".
ونعت الممثلة هالة صدقي لـ"الفن"روح عبد الرحمن الابنودي قائلة :"إنه ليس مجرد شاعر فحسب إنما هو بمثابة صوت ضمير مصري حر، وفقدانه هو فقدان صوت كبير داخل الدولة فالشاعر الكبير كان من النوع الذي لم يغير غاياته حسب الزمان والمكان"، مضيفًة "الأبنودي طلّع أحلى سيرة علشان يقدم منها نماذج عظيمة.. ومواقفه لم تتغير".
ومنذ تأكيد خبر وفاة الشاعر عبد الرحمن الابنودي امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من الرثاء والتعزية من قبل النخبة الفنية في مصر : الفنان هاني شاكر نعى الأبنودي بهذه الكلمات :"ببالغ الحزن والأسى اتقدم بخالص التعازي الى الشعب المصري والأمة العربية في وفاة شاعرنا الكبير" ، الشاعر بهاء الدين محمد :"يا خال ..ربنا يرحمك برحمته، ويارب كل كلمة كتبها أثرت في الشعب المصرى يكتبهالك حسنات" ، الفنان إحسان المنذر :"رحمك الله يا عبد الرحمن.. يا ابا الكلمة الحبيبة على القلوب، يا شاعر كل العرب.. احسان المنذر" ، الفنانة نانسي عجرم "وداعا للشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودي كاتب ساعات ساعات. وعيون القلب.. البقاء لله " الفنان آسر ياسين "البقاء لله، الأبنودي هو فقيد اليوم: يوم وفاة الأبنودي، هو نفس يوم ذكرى صلاح جاهين، ولا تكف السماء عن إرسال رسائلها"، الإعلامية جيهان منصور "الأبنودي في أروع كلماته، ماتمنعوش الصادقين عن صدقهم. رحمك الله يا خال"، الفنان نبيل الحلفاوي " كنا محتاجينك يا خال. مصر محتاجة أوي كل اللي مالهمش حسابات غير مصلحتها. إنت شفيت وارتحت لكن هيه لسه. قدر الله وما شاء فعل.الله يرحمك ويصبرهن"، أحمد أبو هشيمة رجل الأعمال " إنا لله وإنا اليه راجعون، مصر فقدت بوفاة عبدالرحمن الابنودي قامة وقيمة كبيرة لأحد رموزها، الابنودي مات جسده لكنه سيظل حياً الى الأبد بالثروة الشعرية التي تركها" .
وكان آخر حوار تلفزيوني أجراه الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودي قبل أيام مع الاعلامي محمود سعد بناءً على طلب "الخال" الذي هاتف محمود سعد قائلاً "مش هتيجي يا محمود تعمل معايا حلقة قبل ما اروح" وبالفعل لبّى الاعلامي محمود سعد طلب الخال وسافر الى الاسماعيلية وسجل معه لقاء عرض مؤخراً وسيعاد عرضه اليوم على قناة النهار الفضائية، وقد علم موقع "الفن" أن الابنودي كان يتفق على تسجيل 30 حلقة تعرض على قناة النهار مقابل مبلغ مادي كبير نسبياً يستطيع ان يؤمن به مستقبل بناته آيه ونور وزوجته المذيعة نهال كمال ولكن مع الاسف ليس كل ما يتمناه الشاعر يدركه.