زيت على ورق مرادف لـ"عروسة الصعتر" في يد طفل صغير. يكبر الطفل. و يبقى الزيت على الورق، رسوماً من عمر "عروسة الصعتر". وهنا "زيت على ورق .. وريشة " .. يرسم بها مجد كردية "فصاعينه" ببعدين لا ثالث لهما الا الكلمة، فيعيد توجيه العمل من نموذجه البدائي الاول الى عالم الـ"كوميكس" من دون ان يغرق في احدى الهويتين.

يللا نطير

- كتير عالية هل درجة عطيني إيدك

فعلا شو أنفه كبير

- ولك هس هلئ بيفيق أو بيعطس

والله منطير.

في الصورة (الفنان مجد كردية) * فوتوغراف لـ"دانيال قصوف" ورسم ل "مجد كردية"

هو فنان سوري شاب هَجر الحرب فاستقر به الرحال في بلاد جبيل في لبنان.

لم يتم بعد "مجد كردية" التاسعة و العشرين من عمره. لكن صغر سنه لم يمنعه من خوض غمار العرض الفردي. فكانت له معارض ثلاث في بلده الأم. ثم اختار معرضه الدائم عبر موقع فيسبوك. يتبادل الكثير من رواد صفحته قصص "الفصاعين" يعيدون نشرها فور تنزيله صورة اللوحة – القصة. يبحثون من خلالها – على اختلاف انتماءاتهم – عن حقيقتهم الواحدة، حقيقتهم الانسانية.

فقد اثار الفنان مجد كردية من جديد صلة الفنون التشكيلية بالقضايا الأم، القضايا المركزية، التي ابتعدت مؤخرا عن مرماها الانساني الصادق لتصب في زواريب التجارة الضيقة، والاستثمارات الرخيصة. مطلقا صرخة وصفعة في آن رافضة للواقع الفني المذري كما لابتعاد الانسان عن انسانيته. معيداً تصويب بوصلة المتلقي الى فطرته السليمة. الى الحب، الى نبذ العنف، الى العلاقة المتكاملة مع كل مكونات الطبيعة. كل ذلك على لسان "ايقونتين" ابتكرهما لتوصلان صرخة كل فطرة سليمة.

الايقونتان هما "فصعونة" و "فصعون"، تذكران بـ"حنظلة" ناجي العلي. تدور كل الاحداث على ارض هذه المساحة المسطحة البيضاء "الورقة". لكنها تعكس صور الحقائق الحاصلة على الارض. هي منه و خارجه: منه في طرح اشكالياته، و خارجه في تقديمها للحلول الفطرية الانسانية والحلول هنا ليست حلولاً بمعناها الوعظي ابداً و انما هي اعادة تشكيل الاسئلة بصيغتها الصحيحة.

في المنحى التقني تأخذ ايقونتا "فصعون و فصعونة" دروس الفن الثنائي البعد، من رسوم الانسان الاول في مغارة لاسكو ، مرورا ب الايقونات البيزنطية ، وصولا الى الكوميكس و شخصيات الرسوم المتحركة. لا تتبناه بكل تفاصيله. تاخذ ما يناسبها وترمي الباقي. تكيف مناخ التأليف على المساحة المسطحة بحسب الهوى ال"تعبيري" في ريشة الفنان. و تتمايز عن ال"كوميكس" بغياب الكلمة المرسومة في قلب التأليف. فهنا النص هو البعد الثالث.

لم يعتمد مجد كردية القلم ولا الحفر بل اختار ببداهة الريشة. غمسها بالزيت ورسم على ورق. بضربة ريشة حاسمة جازمة "تعبيرية" الانتماء. لم يسلبه ال"خط" هوية ال "باليت"، بل مازج بينها مكوَّناً عالماً باعماق متعددة عابراً المساحة المسطحة الصغيرة نسبياً الى البعد الانساني التشكيلي الاصدق. ال "باليت" الفصعونية تطغى عليها ازرقات "الفرات" واصفرات الشمس التي منها ثيابهم واكلهم و نورهم، وأخضرات طبيعية. فيما يكاد يغيب الاحمر.

كما يعتمد في النص على المصطلح البسيط الأقرب الى احرف الاطفال. لا قواعد املائية هنا، فكلمة "جدن" تعني "جداً"، و "أصلن" تعني "أصلاً" . الفصاعين تكتب كما تلفظ، خارج اطار القواعد اللغوية المعقدة. يكتب مجد بكل مساحة اللفظ ، كل الاحرف. يقلب بعضها تماما كما يتلعثم الطفل بالاحرف القريبة ويسعد بتكرارها ف "السمش" هي طبعاً "الشمس". و"السمشية" هي "الشمسية". للمفارقة نعم هو نفسه مجد كردية الذي غيّب مئات من الابيات الشعرية عن ظهر قلب. اقربها الى قلبه الجاهلية، يستحضرها يرطب بها حواره وكأنها الفواصل و النقاط. فهذا الشاب الذي يتنفس شعراً وشغفاً باللغة يتصرف بها بحرية الطفولة العفوية. اما المضمون فكبير بحجم حرفَي ال"حُب" بكل ما تحمل من عمق انساني. تتخطى الحواجز و الحدود. المكانية و الزمانية منها. فقصص الفصاعين عابرة للزمان و المكان.

طاولة مغمورة بالالوان و الريشات مع كاميرا و مرطبان نوتيللا ومجموعة غلايين، هي عمليا العدة الكاملة للفنان الشاب.

فهذا "ما يجعل الحياة ممكنة" على حد تعبيره المرفق بالصورة. نعم تصبح ممكنة بالنسبة لفنان "ساخر" فها هو "التاريخ" بيد "فصعون".

- بست . فصعون . شو عم تقرا؟

* تاريخنا.

اما السماء الممزقة بين "مالكيها" الحصريين ينتزعها مجد ليعيدها الى سكانها الاصليين، الى العصافير.

- كل ما صلحناها بيرجعوا يخزقوها.

* مين هنن؟

- يللي مفكرين السما إلهم وكل حدا بيشدها لعنده.

* والسما لمين؟

- للعصفور ./عطيني شعرة كمان لأنو هل مرة الشق كبير.

* رح صير بلا شعر بالأخير.

- لا تخافي رح يرسملك بدال الشعرة ألف.

فـ"البشر محشورين بالزوايا" يخربون كروية الارض الطبيعية.

* بروفيسور فصعون إنت متأكد من حساباتك؟

- ايه.

* يعني ضربت مربع سرعة الحمار بتفاحتين ونص. وطلع معك هيك نتيجة؟

- والله اتأكدت منها ألف مرة. اذا مش مصدقة تعي شوفي بعينك.

* والله شي بيحط العقل بالكف. كل شي توقعته الا إنو تطلع الأرض مدورة.

- وليش مستغربة؟

* لأنو كل البشر محشورين بالزوايا.

ويبقى الحب هو الحقيقة.

ييييي أستاذ زلحوف ليش قالب ع ضهرك؟ بدك مساعدة؟

- إنتو عشاق؟

لعمى كيف عرفت؟

- هيك توقعت.

يا لطيف شو إنت زكي يا أستاذ زلحوف. يللا عطينا إيدك خلينا نساعدك.....

قوم ولاه بلا بياخة أصلن إنت غليظ. يلا قوم.

- ولك أنا ما دخلني

لكن مين؟

- هاد الدب يللي عم يرسمنا

لكن لا يسلم الفنان الشاب من "فصاعينه" ، فها هي "فصعونة" تروي "فصعون" المدفون تحت التراب علّها تحييه معتبرةً ان الموت لعبته الـ"غليظة".. فيما تظهر الوردة غير ذابلة كما دائماً.

اتراها رمز لتجدد الحياة؟ ام امل بقيامة الانسان؟ ام رفض للموت "الغليظ" .. فقد كثر الاطفال تحت التراب.. و"لا بد لليل ان ينجلي"... ف "السمش" ستشرق غداً لأجل كل طفل .. "لأجل من تشردوا لأجل اطفال بلا منازل"، لأجل الحب، لأجل الانسان الباقي.

* فصعون إنت عل يمين وأنا عل شمال والحمار بالنص. وبس قربت لتنزل صيحوا وقولولها كش كش كش . لترجع لفوق.

- بس حرام الشمس نعست خليها تنام.

* إذا غابت لازم نرجع عل بيت.

- إيه منرجع وين المشكلة؟

* ولك نسيت يا هبووول. ما ضل عنا بيت.

- إنتي بيتي.