لم يكن لدي اختيار محدد، فرحت أقلب القنوات واحدة تلو أخرى، وإذا بصوت يرتفع من حولي: خليه يا بابا على « عرب آيدول»، أحسست بتأنيب ذاتي شديد، إذ كيف لجهلي أن يحرم أطفالي من متابعة برنامج عن: النموذج العربي، المثال العربي، الحلم العربي. لم أمانع، بل أذعنت لرغبة الجيل الذي بجانبي.
أعرف أنه برنامج مسابقات غنائية لإخراج أصوات متميزة يمكن الدفع بها إلى فضاء الفن العربي لإنقاذ ما تبقى وترميم ما تهدم منه، أو هكذا خيل لي.
ومن المتابعة عرفت أن البرنامج يبث مباشرة من بيروت، أي من لبنان، أي حيث ما زالت أعمدة بعلبك تردد صوت الزمن الجميل والفن الجميل، وتشرئب إلى السماء كي تحضن نغمة محلقة من صوت فيروز. وليكن. لنعتبره اعترافا بالجميل للبلد الذي يحتضن أسطورة الفن عندما يكون إطلاق مواهب الفن منه. وبدأت الليلة، وابتدا المشوار، وليته ما ابتدأ.
لا يهم الذين تزاحموا على المسرح بحثا عن فرصة الانطلاق نحو النجومية، هذا حق مشروع لهم طالما قد حولنا الفن إلى «بزنس»، لكن المهم، والمؤلم، والمؤذي، أن نشاهد اللجنة التي أصبح من صلاحيتها اعتماد المشروع الفني العربي.
لا بأس في الفنانة المخملية الناعمة نانسي عجرم فهي، صوتا وتعاملا، فنانة. ولا بأس في وائل كفوري فهو أيضا كذلك، ولا بأس أيضا في العضو الثالث الذي لم أكن أعرف اسمه أو صفته ثم عرفت أنه موزع موسيقي، لكن البأس وكل البأس في العضو الرابع في اللجنة التي يمكن وصفها تلك الليلة بأنها « داعش الفن».
كنت قد طالبت مجلس التعاون الخليجي بإنشاء لجنة للأمن الفني لحمايتنا منها وأمثالها لكنه لم يفعل، بل تمنيت أن تتدخل قوة درع الجزيرة في بعض الأحيان لو كان ذلك ممكنا، والآن هي تمارس التحكيم في لجنة يتوقف عليها مصير الفن العربي، لكنها كانت في منتهى الفجاجة والجهل والسلوك البدائي حين استخدمت أصابعها، أو أحد أصابعها وهي تبدي رأيها أمام الجمهور، وحين استحثت بلاغتها في الاستشهاد أمام المشاهدين لتقول «اللي يستحي من بنت عمه....» بخ بخ يا أحلام، ولا فض فوك..
عذرا فيروز..
عذرا يا سيدة الأزمان..
لقد أوذيت في ملاذك، في صومعتك، في عزلتك الجميلة.
سامحينا، لأن هذه المصيبة لا تمثلنا.