هي ليلة الفن الأصيل، سهرة رمضانية على أنغام وصوت شيوخ الطرب، الليل علينا بها طال، وانسكبت فيها خمرة الحب على القد المياس، على إيقاع "والنبي يما" وباقة من القدود الحلبية المميزة.
شيوخ الطرب فهد رسلان، أحمد السيد، ابراهيم فارس وملهم خلف، الذين غاب عنهم شيخ منهم أبدعوا وأخذونا معهم الى زواريب حلب الشهباء، أبعدوا عنا كل ما يجري هناك، وأعادونا الى الأصالة الى التراث الى لذة الطرب، مرددين أغنيات تاريخية لا تزال حية رغم آلة الموت التي تفتك بالشهباء، فانتصروا للقدود الحلبية على صوت المدافع.
لم يكن غريباً الحشد الكبير الذي رافق "شيوخ الطرب" الى مسرح المدينة في شارع الحمرا، وهو الشارع المنتفض على نفسه، الذي يجمع الطرب، بالراب، والكلاسيك، ليكون ملتقى للإبداع من الصوت الى الصورة والنحت والأزياء.
بدأ الحفل عند التاسعة والنصف تقريباً، انسجمت الإضاءة مع الآلات الموسيقية المنتشرة على المسرح، ما هي الا دقائق معدودة ودخل شيوخ الطرب، كانوا أشبه بلوحة تراثية أصيلة.
من هنا نغمة عود، ومن هناك دندنة قانون، على وقع موسيقى كمان، بدأت سهرتنا الطربية مع الثلاثي الطربي بأغنية "الليل عليا طال"، ومن ثم "أحن شوقاً"، "النبي يما"، "مالك يا حلوة مالك"، و"يا طيري طيري".
إنتهى الطرب الثلاثي لنتتقل الى مرحلة جديدة من الإبداع، كانت أشبه بمسابقة بين الثلاثي الطربي، فغنى كل منهم أغنية منفصلة بداية مع موال "اللؤلؤ المنضود" وأغنية "إبعتلي جواب"، فجاء الرد بأغنية "خمرة الحب" وصعّد برقصة حلبية رسمت الأصالة، ليختتم الحفل الذي دام لأكثر من ساعة ونيف بأغنية "إمتى الزمان".
لا تقدّر تلك الفرحة التي ادخلتها فرقة شيوخ الطرب الى قلب الحضور بثمن ، فهم أبدعوا وغنوا ما يسعد الجمهور وما أتوا لسماعه، علا التصفيق كثيراً مع الصيحات، وخرجت "الأه" من القلب، وتسمرت العيون على المسرح، وأطربت الاذان.
كانت ليلة طربية إنتصرت فيها من جديد لغة الفن على لغة الدمار والقتل والحروب العبثية، كان لا بد من فسحة أمل لنجدد عهدنا بأننا سنواجه العنف بالفن بالتراث وبالأصالة العربية.