أصبحت المسلسلات والاعمال الدرامية هي المادة الدسمة التي تقدّم للمشاهد خلال شهر رمضان من كل عام، بحيث أطاحت المسلسلات بالفوازير وبرامج الالعاب وحتى البرامج الحوارية.
واصبحت شبكة برامج الشاشات المحلية والعربية تعرض بمعمظها عملين أو أكثر كل عام. ومع انفتاح الانتاجات العربية على الممثلين اللبنانيين، شحّت الانتاجات المحلية ، أقله في الشهر الفضيل، أمام الانتاجات العربية الأخرى. ولكن للمنتج مروان حداد رأي آخر في هذا الشأن. فهو دخل المنافسة الرمضانية هذا العام من خلال مسلسل لبناني "100 بالمئة " وهو "عشرة عبيد زغار" الذي يعرض على شاشة الـ "MTV".
قبل عرضه كان هذا المسلسل محط انظار الجميع. ربما لأنه كان "بالون اختبار" لامكانات الدراما اللبنانية وقدرتها على المنافسة في رمضان. وبعيداً عن هذه النظرية، ترقبه كثيرون لاسباب عدة: العمل هو النسخة العربية الثانية بعد عمل انطوان ولطيفة ملتقى، هو تجربة جديدة لمسلسلات الرعب التي نادراً ما نشاهدها في قائمة الاعمال الرمضانية ، ولأنه من انتاج مروان حداد "عميد المنتجين اللبنانيين" كما سمّاه الكاتب طوني شمعون في مقابلة مع الاعلامية هلا المر، وغيرها من الاسباب...
قد تتفاوت الآراء بشأن المسلسل ، قد يعمد البعض إلى مقارنته بعمل عام 1974 ، لكن هناك وقائع لا يمكن ان نتجاهلها مهما كانت الاعتبارات الشخصية (أو غير الشخصية) التي ننطلق منها في حكمنا على هذا العمل.
يتمتع المنتج مروان حداد بخبرة وذكاء يخولانه اختيار أفضل عمل درامي ليكون عمله الرمضاني الوحيد، وبالتالي كان يدرك حداد جيداً ان التركيز في عمل واحد سيكسبه الرهان. وبالفعل اينما نظرنا في هذا المسلسل نجد ان حداد لم يبخل بشيء على "عشرة عبيد زغار" حتى خرج بطريقة تليق بالدراما اللبنانية أولاً وبالمشاهد اللبناني والعربي ثانياً.
رؤية الكاتب طوني شمعون للمسلسل تختلف عن العمل الأول. فسرد الاحداث تغيّر، الشخصيات تطوّرت وطرق الموت اختلفت. الأحداث قسّمت إلى 30 حلقة في كل منها معلومة جديدة، حدث جديد، دليل جديد يقربنا تارة من كشف خيوط العمل ويجعلنا نتوه طوراً . ومن يتابع العمل يومياً يدرك أن الكاتب فكر جيدا قبل كتابة اي مشهد كي لا يستخف بعقل المشاهد، فكانت الأحداث قريبة من الواقع والمنطق. وهنا لا بد من التذكير بأن شمعون كتب وقدّم هذا العمل تكريماً لأنطوان ولطيفة ملتقى.
الشخصيات التي انتقاها الكاتب قريبة جداً من الواقع ، شخصيات "مافياوية" قادرة على القتل بكل برودة اعصاب. ولذلك يسهل الدخول في اجواء العمل وفي حكاياته التي بدأت قبلاً وها هي تنتهي في حلقات هذا العمل. وكما قال شمعون "لقد جعلت الابطال يرتكبون جرائم يستحقون عليها الموت".
من جهته، نجح المخرج ايلي حبيب بوضع قصة العمل في قالب مصوّر "رائع". حركة الكاميرا فن اجاده حبيب بجدارة فتوقفت أنفاسنا مع كل "كادر"، وازدادت دقات قلبنا في المشاهد الاساسية في حبكة العمل.
هنا لا بدّ من التنويه في ادارة حبيب للممثلين، فصحيح أنه يتعامل مع اسماء كبيرة ونجوم شباب، انما بعض الأسماء الأخرى ورغم تجاربها القليلة قدمت مشاهد متماسكة و"سليمة"، وطبعا هذا يعود إلى ادارة الممثل الجيدة التي يتمع بها مخرج العمل.
كل ما ذكرناه ، يساهم طبعاً في نجاح العمل، ولكن يبقى اداء الممثلين هو العامل الاهم في تقبل المشاهدين لهذا العمل واقتناعهم باحداثه. اداء بعضهم "مخيف" ويمكن اختصار تجربة شوقي متى (عاطف) وجورج شلهوب (غازي) وتقلا شمعون (لورا) في هذا عمل بتجربة "وحوش الشاشة".
وطبعاً لا يستهان ابداً بالأدوار التي قدّمها كل من كارلوس عازار ( فادي )، هشام ابو سليمان (وليد)، طوني نصير (سليم)، وسام حنا (حسان) ، ميراي أبي جرجس (عبلة) وريتا حرب (لميس). فهي ادوار تتطلب مهارات تمثيلية عالية خصوصاً انهم يقدّمون ادواراً جديدة عليهم تختلف تماماً عن الادوار التي قدّموها سابقاً. وبالفعل ما كانت لتليق هذه الأدوار بغير الأسماء التي قدّمتها.
أما بريجيت ياغي (ليال)، فهي بالفعل مفاجأة المسلسل. قدمت بريجيت حتى الآن اداء تمثيليا جيداً وأكثر من المتوقع منها. نجحت في ايصال الانفعالات الصحيحة للمشاهد: خفنا منها، خفنا معها وخفنا عليها.
وطبعاً ذكرنا فيما سبق الشخصيات الاساسية في حين أن العمل يضمن اكثر من 150 ضيفاً اغنوا المسلسل باطلالتهم مهما بلغ حجمها.
قد يجد البعض ان هذا المسلسل مجرد تجربة لبنانية لمنافسة الانتاجات العربية المشتركة، ومحاولة لبنانية أيضاً للتغيير عن الرومنسية التي طبعت اعمالنا الدرامية اخيرا والدخول في لعبة افلام التشويق والرعب. ولكن مسلسل "عشرة عبيد صغار" حجر أساس سيبنى عليه في المستقبل لاعمال درامية تعيد "الانتاج اللبناني" إلى المنافسة والصدارة.