من أبرز الوجوه المحبوبة التي أطلت على الشاشة اللبنانية منذ إنطلاقتها ، أحببناه لسنوات طويلة في دور البخيل من خلال شخصية "شكري شكر الله" وعطاؤه كان ولا يزال كبيراً .
إنه الممثل صلاح صبح الذي يحل ضيفاً عزيزاً على صفحات النشرة ، وهو الذي عمل لعقود عديدة في فرقة الممثل صلاح تيزاني "أبو سليم" حيث نقلوا أوجاع الناس وهمومهم إلى الشاشة ، وهو يغيب اليوم أو يغيّب لأن أبى أن ينتقل من ضفة الشعب إلى ضفة السياسيين .
كيف إنطلقت فعلياً وأين كانت الإطلالة الاولى ؟
كانت الإطلالة الأولى بالعام 1961 عبر تلفزيون لبنان حيث كان هناك برنامج "ستوديو الفن" وكان يديره الأستاذ رشاد البيبي حينها كان لدي فرقة صغيرة ، فأجرينا بروفة و"مشي الحال" ، وفي يوم العرض المباشر ممثلان إثنان من فرقتي "ما بعرف مين لعب بعقل واحد منّن تخانقوا ببعضن صار يقلّو إنت قدي بدك تقبض؟ أنا بدي أقبض أكتر منك" ، فقلت لهما "يا عمي خلونا نبث الحلقة" ولكن لم تسر الأمور على ما يرام و"فَرَطوها" ، بعدها وبنفس السنة توجهنا إلى تلفزيون "لبنان والمشرق" حيث قدّمنا برنامجاً وكان المخرج الأستاذ إبراهيم الحموي وكان هناك شابة من طرابلس إتفقنا معها وكنت سأعطيها 50 ليرة و 10 ليرات بدل تنقلات "50 ليرة بالستينات كانت شغلة" ، وفي يوم الإطلالة المباشرة عبر التلفزيون إنتظرنا لساعات ولكنها لم تأتِ ، وعندما حان وقت تقديم البرنامج مباشرة على الهواء قالوا لنا "ضبّوا تيابكُن والله معكُن" ، وعلمت منذ سنوات قليلة أن هناك من أعطى هذه الشابة 100 ليرة وقال لها "هيدي 100 ليرة ما تروحي عالتلفزيون مع صلاح صبح".
هل شخصية "شكري شكر الله" ظهرت قبل إنضمامك لفرقة أبو سليم أم كنت تؤديها قبل ذلك ؟
الكاراكتير هو نفسه ، ولكن عام 1962 عرّفني أخي محمد على أبو سليم الذي هو صديقه حيث في أحد الأيام كان هناك حلقة مباشرة لأبو سليم عبر التلفزيون يشارك فيها فهمان ، وحينها رأى أبو سليم "كاراكتير شكري ذاتو بس كنت ما عطيت إسمو"، فقال لي "بتفوت على الكادر بتقعد على الكرسي وبتطلب أركيلة ونارة من فهمان" ، وهكذا كان و"مشيت أنا وفهمان "donner moi un baiser , tire la voiture , attention s'il vous plait , jai tu as il a nous avons passé simple وعَلّقِت أنا وفهمان بوقتها"، فكانوا حيناً يسمّوني "عبود" وحيناً آخر "مسعود" حيث حينها لم يخطر على بالي أن أسمي نفسي ، ولكن بعد 4 سنوات أسميت نفسي "شاكر شكري شكر الله منشكر الله شي معلوم المحترم" وإنطلق إسم "شكري شكر الله".
صفة البخيل التي لازمت "شكري شكر الله" هل كان يتمتع بها منذ ولادة شخصيته ؟
البخيل كان نتيجة صدفة جميلة حيث أننا كنا نمثل على الهواء وكان هناك مشهد يدخل فيه الممثل زكريا عرداتي المعروف بـ"جميل" عليّ ، فكنت جالساً في الصالون وأحمل فنجان قهوة وبمجرّد أن دق الباب بدأت لا شعورياً "حملت فنجان القهوة وصرت أبرم بالكادر"، فصار أبو سليم يضحك وكأنه أدرك ما أريد فعله ، وبالنهاية وضعت الفنجان تحت الكنبة و"صرت شَمشِم هيك إنو ما في ريحة قهوة" وفَتَحت الباب و"مشي دور البخيل من هون".
هل كراكتير البخيل إستوحيته مثلاً من شخص صادفته على الطريق وأردت تقليده ؟
نعم صحيح ، في إحدى المرات شاهدت شاباً على الطريق يسير ويحدّث نفسه ويقول "إي شو هيدا ، شو بدي أعملّك ببِنتِك ؟ الله يساعدني أنا كل يوميتي 5 ليرات عم أعطيها الـ5 ليرات بروح عالشغل مشي وبرجع مشي ، الله وكيلك يا مرت عمي مني عم آكُل ولِك قوليلها إنتِ قوليلها ، بتعيّط عليي شو أنا ولد صغير ، أنا رجّال والله ها شوفي شواربي" فأخذتُ الكاراكتير منه .
وماذا عن لباس شكري شكر الله ؟
الطربوش هو لوالدي ، رحمه الله ، فلبسته وحملت عصا و"مشي الكاراكتير".
هل أصبح الناس ينظرون إليك على أنك فعلاً شخص بخيل ؟
أنا أحب شخصية شكري وأفرح بها ، فعندما ينظر الناس إليّ ويصدّقون أني بخيل هذا يعني أني نجحت بدور شكري شكر الله البخيل ، هدفي أن أوصل صورة البخيل على حقيقتها .
في طفولتي كان صاحب الشارع الذي أسكن فيه من الناس الإقتصاديين و"إيدو كامشة" وفي إحدى المرات أرسلتني أمي لأحضر غرضاً من عند البقال حيث كان هناك عدة أولاد ينتظرون دورهم ، فأتى رجل محترم قال للبقال "بقدّيش البيض" ، فأجابه البقال "يا حاج بيضتين برُبع" فسأله الرجل "ما بيصير تلاتة؟" ، أجابه البقال "والله يا حاج ما بيوفّي" ، حينها طلب الرجل من البقال أن يُنزل له سلّة البيض وأحضر الميزان فصار الرجل "يحُط بيضة بكفّة الميزان وبيضة بالكفة التانية ويلّي بتوزَن أكتر يشيلها لياخدها ، آخر شي جاب البيضات الموزونين وكمان صار يحُط بيضة هون وبيضة هون" ، وفي النهاية وبعد حوالى ربع أو نصف ساعة إشترى بيضتين وغادر ، حينها سألت البقال "من يكون هذا الرجل ولماذا لم تطرده؟" ، أجابني "لا أستطيع أن أطرده ، فهذا الشارع الذي نسكن فيه هو له ، إذا طردته سيطردني من المحل".
إلى أي مدى ظلمتك شخصية شكري بحيث حين نقول صلاح صبح نشعر بأن الأغلبية تجهل أن صلاح هو شكري ؟
لا ، الشخصية لم تظلمني وأنا أصلاً أحبها ، ركبت منذ أيام في سيارة تاكسي فنظر إليّ أحد الركاب وسألني "مش حضرتك شكري شكر الله؟ فأجبته بالنفي ، فعاد وسألني عما إذا كنت أعرف "شكري" أجبته "مني سامع فيه".
لماذا تنكّرتَ لشكري ؟
ضاحكاً "هيك ، إجا ع بالي ، مزاج" ، أصلاً ولغاية اليوم أضع على سيارتي بطاقة أكتب عليها "الفنان شكري شكر الله" لأني إذا كتبت على البطاقة "صلاح صبح" لن يعرفوني ، فشخصية شكري طغت على شخصية صلاح صبح وهذا لم يزعجني وأعتبره نجاحاً لي ، فهذه الشخصية الفنية شخصيتي ، وأنا تعبت عليها كثيراً كي تصل إلى هنا .
"حلو إنو الناس بعدُن بيتذكروك" رغم غيابك عن الشاشة
أطليت مرتين أو ثلاث مرات في برامج عبر OTV كصلاح صبح ولكن للأسف لم يصدّق أحد أن صلاح هو صاحب شخصية شكري شكر الله حيث "فكّروني شخص بديل".
إلى أي مدى يعيش صلاح صبح شخصية شكري خارج التمثيل ؟
"خارج الهوا ما إلي علاقة فيه أبداً ، أنا بس إلبس تياب شكري بصير شكري وقبل ما إلبس تياب شكري ما إلي علاقة بشكري".
هل قيّدك دور شكري بمعنى أنه حرمك من فرصة تمثيل أدوار أخرى ؟
هناك الكثير من المنتجين يظنون أني لا أمثل سوى شخصية شكري ، أنا مثّلت في مسرحيات كثيرة وأدّيت في بعضها دور ملك ودور وزير "ما إلن علاقة أبداً بشكري".
أخبرنا عن أحد المواقف الطريفة التي حصلت معك ؟
"كان فهمان يعمل مقالب كتير" ، في إحدى المرات ذهبنا أسعد وفهمان وأنا للعمل في إفريقيا ، وأثناء عودتنا إلى لبنان على متن الطائرة قال لي فهمان "ما فينا نعطيك المصاري هلأ ، في حرمة بتطلع بالطيارة بتعطي كل واحد ظرف" ، وطارت الطيارة وأتت الشابة ووزعت مغلفاً سميكاً لي ولفهمان وأسعد "أنا عم إطلّع هيك وعم شِمّ ريحتن للدولارات وعِدّن ، كانت طالعة الدولارات جديدة بعدها" ، فهمان كان جالساً بقربي وفجأة "بيمسُك الدولارات وبيشَندِفُن بالطيارة" وقال لي إن الدولارات مزورة ، فوجدتُ الصورة التي على الدولارات غير الصورة التي إعتدنا عليها "منزلين دولارات جديدة"، فسألنا المضيفة والكابتن والركاب فقال الجميع إنها مزورة ، وتبيّن لي أن فهمان إتفق مع 140 راكباً على اللعبة "إنو بدو يعمل ضَرب فيي"، وقال لي فهمان "يا شكري هلأ هول مزورين ، إشتريلك بشي 300 ، 400 دولار شوية أغراض من الطيارة" ، فقلت له "ماشي الحال" ، فإشتريت عطورات بقيمة 500 دولار وقلت لفهمان "لو مزورين الدولارات ما بياخدوهن" وبعدها أدركت أنها كانت لعبة فهمان .
أنا أعرف أنك نادم لأنك إحترفت التمثيل
"نحنا إحترفنا وما إحترفنا" ، كلمة إحتراف غالية كثيراً ، "لما فنان بدّو يحترف بدّو يكون عايش من ورا الفن تبعو نحنا منا عايشين" ، أنا متقاعد حيث كنت موظفاً بالسرايا "يعني المعاش اللي بقبضو سِترية الحمد لله" وهناك "بيت الفن" للرئيس نجيب ميقاتي "الله يطوّل عمرو كل سنة بيعطيني 10 أو 20 حفلة ، وبيجيني غير حفلات" ، ولكن غيري ليس متقاعداً وهو محترف وليس محترفاً "لأنو ما في مدخول تاني ليسكّر العجز"، للأسف كلمة إحتراف بعيدة عن الفنان اللبناني ، بعيدة جداً .
هل لا زلت تلتقي بأبو سليم ؟
طبعاً أكيد ، أبو سليم فنان كبير و"ما أخد حقو لهلأ" ، وكنت مقرباً جداً من فهمان حيث كنت "إنزل خصوصي تَشوفو وإنزل عند أبو سليم ، راح فهمان صارت نزلاتي قليلة".
أسعد ؟
أسعد في طرابلس "أكيد منتردد ع بعضنا".
درباس ؟
"ما معي عنوانو وهو ما عم يتصل فينا ، صار بعيد عن الجو".
بماذا تشعر عندما تشاهد إعادة لأعمالكم عبر التلفزيون ؟
لا أشعر بشيء ، أعتبرها شيئاً طبيعياً ، فرقة أبو سليم بالذات ورغم غيابنا عن تقديم برامج جديدة لنا عبر التلفزيون منذ حوالى 8 سنوات ، عندما أجد الجمهور لغاية الآن صغاراً وكباراً يعرفونا ويعرفون أعضاء فرقة أبو سليم أفرح كثيراً ، أحييت حفلاً لمؤسسة الوزير ياسين جابر في النبطية وعدة حفلات في عيد الميلاد ، في إحدى الحفلات التي أقيمت في مدرسة كان الأطفال الحاضرون لا يتجاوز عمر الكبير فيهم الأربع سنوات ، أنا لدي فيديو كليب يُعرض على محطة "طه" وتقول الأغنية "عمّو شكري بو شاكر بالدّرس مو شاطر بس يجي الإمتحان بيطلع إسمو بالآخر ، ليه يا عمّو ؟" ، فعندما دخلت بين الأطفال و"شافوا شكري لابس نفس التياب يللي لابسُن بالفيديو كليب ، تعا خَلّص من الأطفال ، كلّن قعدوا بحضني وعلى كتافي بدّن يتصوروا معي" وهذا الأمر أسعدني كثيراً أن فرقة أبو سليم لا زالت حاضرة في أذهان الناس رغم غيابها عن التلفزيون اليوم ، أو تغييبها وليس غيابها ، نعم تغييبها لأن هناك فرقاً بين غيابها وتغييبها .
من يُغيّبها ؟
يجب أن تسأل المنتجين وأهل الفن .
أنا سألت أبو سليم فأجابني بأنهم يريدون أن يُدخلوا الفرقة ببرامج كوميدية على غرار التي نشاهدها بحيث كل برنامج ينتقد بحسب سياسة المحطة
نحن أهل البلد ، نحن لبنانيون ووطنيون ونحب بلدنا ، وأنا أحب الشعب اللبناني من أقسى الشمال إلى أقصى الجنوب وشعبيتي تمتد على الـ 10452 كلم مربع "من دون الزوايد يللي بالبحر عم بيفوتوا فيها"، أريد أينما دخلت ، إن كان بيتاً أو شارعاً أو ستوديو ، أن يقولوا "أهلاً بالأستاذ شكري لأنك منك طرف خاص بسياسة أحد ولا طعنت بأحد الأشخاص السياسيين"، أتركوا السياسيين لبعضهم ليس لنا علاقة "خلّينا نخفّف عن البلد شوية سياسة ومشاحنات ما إلها طعمة ، الشعب تعب من هالبرامج السياسية كلها متل بعضها ، بعدين شو الفنان قّدّام رجل سياسي عمرو عشرات السنين؟".
كيف تنظر للبرامج الكوميدية التي تُعرض اليوم ؟
الكوميديا الساخرة فيها سياسة ولكن بشرط أن لا تمس بشخص سياسي أو بموظف أو بأي إنسان ، هذه فكرة أبو سليم أن نقدّم برامج ساخرة إجتماعية تنتقد كل الناس الكبير والصغير بدون أسماء ، أتابع هذه البرامج فقط لأرى ماذا يقدمون "بعض الناس بدّن هيك وبعض التلفزيونات بدا هيك ، بصراحة يعني بدون ما نكفي خلليها مستورة" ، ولكن ما نراه هو أنهم ينتقدون ويُقلدون أسماء وشخصيات "هيدي ما منشتغلها نحنا".
"ما منشتغلها بس قاعدين بالبيت"
"ماشي شو بدنا نعمل هيدا نصيبنا".
إذا كنت تضحك عندما تشاهدها فهذا يعني أنك "من الناس اللي بدّن هيك".
أنا لا يضحكني هذا الشيء ، ما يضحكني هو طرفة سياسية من دون أن تمس بشخصية تكون واقعية على الأرض ، الحدث .
هل تتابع الدراما اللبنانية ؟
نعم أشاهد المسلسلات ، وأنا معجب بمسلسلات الدراما اللبنانية إنهم مبدعون .
من لفتك من الممثلين ؟
طلال الجردي فنان كبير ، يوسف الخال وغيرهما كثيرون ، بالإضافة "للفنانات الكبار يللي خاضوا الوطن العربي سيرين عبد النور ونادين الراسي وفي كتير فنانات وكلن قوايا وعم يعطوا وعم يجتهدوا" وهناك أيضاً ورد الخال.
في ستينيات القرن الماضي كانت الدراما اللبنانية أول دراما بالشرق الأوسط واليوم ، أقولها بكل فخر ، إن الدراما "رِجعِت أكتر ما كانت بالأول" بوجود هؤلاء المنتجين "القبضايات يللي عم يضحّوا" وهؤلاء الفنانين والفنانات الكبار والمخرجين "القوايا اللي عم يشتغلوا".
ما هي الكلمة الأخيرة ؟
أتوجّه للدولة اللبنانية وللرؤساء الثلاثة كي يهتموا بالفنان اللبناني لأن البلد "يلّي ما فيها فن ما فيها ثقافة ولا إلها وجود عالأرض" ، أي دولة تدخلها تجد أن الفن هو المَصدر ، هناك فيلسوف صيني يقول "إذا أردتَ أن تعرف ثقافة شعب وما حضارتهفأستمع لموسيقاه".
وبصوت شكري شكر الله بماذا تختم ؟
"منقلكن الله يساعدنا ويساعد هالبلد ، الله وَكيلكُن أنا صرت عم بجي مشي ما بقى إمشي بالسيارة أبداً بخاف من المتفجرات ، صرت عم فوت من زقاق لزقاق حتى أهرب من السيارات المفخخة ، الله يحمي هالبلد ويحميكن ويحمينا".