هو "شاويش" المسرح الرحباني وأحد أعمدته الأساسية ، تألّق شعراً وغناءً وتمثيلا على مدى أكثر من خمسين عاماً ، هو أيضاً المربّي الذي خرّج أجيالاً من الطلّاب ترفع إسم لبنان .


صوته يسحرك لأنك تجد فيه أصالة لبنان ومجده ، يحدّثك بفخر كبير عن الوطن واللغة وكل ما يربطه بهذا البلد الحبيب .
إنه الفنان المبدع وليم حسواني الذي إلتقته "النشرة" في حوار يعبق برائحة أرز لبنان الخالد .

كيف تحوّلت من راقص في مسرح الأخوين الرحباني إلى ممثل ومغنٍ أساسي في المسرح المذكور ؟
كنّا نتمرّن على رقصة "عالليلكي عالليلكي" حيث كنت بدأت العمل معهما في العام 1960 ضمن مهرجانات بعلبك من خلال مسرحية "موسم العز" كراقص ، وبأحد الأيام أتى الأستاذ عاصي الرحباني وقال لي "خبّروني إنو إنت بتغنّي سمّعني صوتك" ، فأسمعته أغنية "عاللوما اللوما" للفنان وديع الصافي وعندما وصلت لأول بيتين قال لي يكفي "إنت رقص ما في" ، تبقى معنا تغنّي وتمثّل ، وأعطاني بالفعل صولو "هلك ومستهلك" قدّمته مع أمل حمادة في مسرحية "موسم العز" ، وصار هناك مثل وشوشات عنّي مفادها أن "هيدا بعدو جايي جديد تعطيه صولو ونحن المطربون والاصوات لا تعطينا صولو" ، فقال لهم عاصي"أنا مسرحي مسرح تمثيل ورقص أكثر مما هو مسرح غنائي طرب وهذا ما يجب أن تفهموه" ، ومنذ تلك الأيام وأنا سعيد جداً أبني أترافق مع الرحابنة على طريق الفن لأني كنت مؤمناً جداً بشعرهما وبلحنهما وبجوهما الفني .




كيف تصف جوّهما الفني؟
هو الجو اللبناني الصافي ، الجو اللبناني الأكيد ، والذي يحكي عن الإنسان اللبناني والضيعة اللبنانية وعاداتنا اللبنانية ، وهذا شيء عندما تشاهده "بتشوف حالك فيه بتشوف نفسك بتشوف أهلك وأجدادك كيف كانوا يعيشوا" ، وهنا قصة الحنين والحب الصحيح والبراءة اللبنانية والصدق الذي كان بين الناس إن كان بالوعد أو بالحب أو بالتعامل مع الناس ، هذا الشيء نحنّ له اليوم لأنه أمسى صفحة قديمة في تاريخنا مع الأسف "بس شو بدنا نعمل؟"

الفنان منصور الرحباني قال "وليم مش بيملك الموهبة كمان بيملك الثقافة والتقنية ، التقنية اللي هي جزء من الإبداع" ، أين التقنية والإبداع في الأعمال الفنية التي نشاهدها اليوم ؟
أنا لا أريد الآن أن أقيّم الناس ولكني أقول إنّ لكل عهد تفكيره وذوقه وفلسفته ، هم الآن يقولون عنّا "إنّو نحنا عتاق ما عدش نسوى للعصور الحاضرة" ، مع العلم أننا نعتبر الفن حكاية القلب والفكر والإنسان والضمير والوجدان والوطن والبيئة التي نعيش فيها ، من ثمّ هو حكاية من المفروض أن تُظهر وجه الجمال ، أين هو الجمال الآن هل هو جمال بالتعرّي؟ لا ، الجمال ليس بالتعرّي ، الجمال هو بالكلمة التي ممكن أن تدخل إلى قلبك و"ترجّفلك" قلبك وتجعلك ترى من خلالها صورة "تحلى بعيونك وتحب تعيش فيا" ، هذا هو الفن ، "الفن منو قصة نكتة من الزنار ونازل هيدا بيسموه عيب على المسرح" ، الأخوين الرحباني بحياتهما لم تنزل كلمتهما عن مستوى التهذيب وكانا قبلة أنظار العالم كله ، هذا الفن الذي نعتبره نحن فناً ، "هلأ الجداد ع ذوقكن يسطفلوا و"التاريخ بكرا بيسجّل إذا كانوا بالحقيقة على مستوى الفن المطلوب أو لا".





بعد رحيل عاصي إستمريت بالعمل مع منصور
نعم ، شاركت في أعمال منصور "صيف 840" ، "الوصية" و"آخر أيّام سقراط".

ولكنك بعد رحيل الفنان منصور لم تشارك في مسرحيات الجيل الثاني للرحابنة مروان وغدي وأسامة
كلا ، لم أشارك .

هل هم بعيدون عن أسلوب منصور وعاصي ؟
صحيح ، صحيح .

ألم يكن هناك من تواصل معهم ؟
نعم أكيد "ما هنّي ولادنا ".


يعني بقيت العلاقة جيّدة معهم ؟
"كيف لكن؟" ، نحن دائماً ندعو لهم بالتوفيق والإزدهار ، ونحن مستعدون لمساعدتهم في أي لحظة يطلبون منّا المساعدة ، ولكن نحن نبارك عملهم لأنهم يعملون على مستوى كبير .

تقول "مستوى كبير" لماذا لست معهم ؟
ولماذا يجب أن أكون معهم ؟

ولم لا ؟
"وليش إي؟" الإنسان لا يستطيع أن يفرض نفسه ، الشخصية هي التي تفرض نفسها ، إذا مسرحياتهم ليس فيها نوع من الشخصيات التي كنت أجسّدها على المسرح فمن حقّهم أن لا يدعوني إلى أن أشارك معهم ، و"أنا مبسوط إنو أنا ما بريد يحطوني بمحل غير محلّي".



كيف تصف وليم في مسرح الأخوين الرحباني ، الياس الرحباني والأب فادي تابت ؟
أنا لم أتغيّر في أي منهم ، ولكن الممثّل البارع هو الذي إذا أعطيته دور حارس على الباب و"بيمثلو مظبوط" يكون على المسرح أقوى من البطل ، أنا أخذت عدة أدوار إن كان مع الأب فادي ثابت أو الياس الرحباني أو منصور وعاصي وكل العالم يعرفون والحمدلله أني أديتها جميعها عن حقّ وحقيق ومثّلت التمثيل الصحيح ، كل ما يهمّنا نحن كممثلين ليس الظهور على المسرح ، فما يهمّنا هو أن نكون نحن "بوسطجي نوصّل الكلمة للناس" بالطريقة التي يجب أن تصل بها وهذا هو النجاح والفعل "المزبوط" والمسرحي الصحيح .

بغيابك عن المسرح توصل اليوم كلمتك من خلال صالونك الأدبي والشعري ، وقال عنك الشاعر رفيق روحانا في ديوانك "شريعة الغاب" "وليم عيّش كلمات تراسيي كانت ع وشك إنّا تبطّل ع لسانات الناس" ، أين هي الكلمة اللبنانية اليوم ؟
"نحنا مش قاعدين مش ساكتين" ، نحن نجتهد كي تبقى كلمتنا اللبنانية "عايشة وتضل" لغتنا من اللغات الحيّة بكل العالم ، نحن نفتخر كثيراً عندما نرى الروسي يتكلّم العربية وعندما نرى المستشرقين الكثيرين الموجودين بألمانيا أو إيطاليا أو فرنسا ، نحن كل ما يهمّنا هو أنّ تستمر هذه الكلمة التي نستخدمها كي نعبّر عن فكرنا وعواطفنا وأن يكون لها المنزلة العالمية بين كل لغات العالم .



هل هناك مؤامرة على اللغة العربية ؟
لا أبداً ، كل لغة لها جمالها وجمال تركيبتها ودلالاتها إن كان اللغة اللبنانية أو اللغة العربية الفصحى ، كل لغة فيها جمال ودلالات يجب أن تُحترم .

تقول اللغة اللبنانية ولكن البعض يقول إنها لهجة ؟
اللغة هي مجموعة مفردات غير موجودة في لغة أخرى ، هل هناك باللغة العربية كلمة "مش؟ في كلمة قدّيش؟ في كلمة ليش؟" ، هناك كلمات عديدة تستعملها أنت بتركيب لغتك كي تعبّر عن فكرك ، وهذه الكلمات هي غير موجودة بلغة أخرى ، إذاً أصبح لدينا لغة لها مفرداتها ونحن نكبر ونفتخر فيها ونقول "غصباً عن اللي ما بيريد هيدي اللغة اللبنانية" ، حتى اللغة العربية الفصحى هي لغة مشتقّة ، "ليك ببلاد العرب في حدا بيحكي عربي فصحى؟" ، وهناك في لغتنا اللبنانية عدّة لهجات ، فهناك لهجة إبن الشمال ولهجة إبن الجنوب "هول بيسمّوهن لهجات" لكن المجموعة هي اللغة اللبنانية من دون أي جدل .





تشرح لي بكل حماس أنّ اللبنانية لغة وليست لهجة وتناضل من أجلها، ماذا أعطاك لبنان غير حفلات تكريمك ؟
"شو بدّي بالتكريم" ، لا يمكن أن أعيش إلا هنا ، "ما في بيشبعلي نفسي إلا ريحة تراب لبنان" هذا بلدي العظيم ، أنا أتكرّم إذا أعيش مكتفياً هنا في لبنان ولا أريد أكتر من ذلك ، "الإنسان مارق مرق الطريق بهالدني" فليترك رائحة طيّبة في المكان الذي يعيش فيه ولا ينكر فضل المكان الذي قَبِلَ أن يستجيره ، لبنان قَبلني وأعطاني هوية كيف أنكره؟ ، المفروض أن يكون للإنسان وطن ، ما من إنسان بلا وطن ، يقول منصور الرحباني "إذا بتعيش بلا إسم فيك تعيش بلا وطن" ، وطني أعظم أوطان العالم إن كان بتاريخه أو أمجاده أو سلام وجوده أو طيبة أنفاس هواه وطقسه الجميل وطبيعته الجميلة ، "هلأ إذا في شي كم واحد عم بيسوّدو وج لبنان طيّب إتطلع ببلدان العالم" ، في نيويورك مثلاً هناك شوارع "ما بتسرتجي تمشي فيها" ، هنا في لبنان "ما عندك ياهن هول" ، هنا محبة كل الناس يحبون بعضن ، بالرغم من السياسيين الذين قسّموا الناس ، الناس لم يتقسّموا "بعدن كلّن محبة" .

كلمة أخيرة ؟
تحية كبيرة لعملكم الذي تقومون به ، ومحبة لكل الناس الذين سيقرأون هذا اللقاء .