منذ سنوات غاب عن هذه الدنيا وجه من أحب وجوه الكوميديا الى القلوب.
غاب الفنان ماجد أفيوني المعروف بشخصية "بلبل افندي" في برنامج "الدنيا هيك" للكاتب الساخر محمد شامل.
غاب وبقيت أعماله وأدواره المسرحية، والاذاعية، والتلفزيونية الخالدة التي يلحقها غياب، ولعل أعجب ما فيها انها ترسل السعادة الى النفوس وصاحبها صامت، غاف، طواه الثرى.
هو صاحب شخصية مميزة في عالم التمثيل، فهو ممثل بدرجة امتياز ويمكنه تأدية أصعب الأدوار الكوميدية مهما كانت صعبة على التنوعات المشهدية.
"بلبل افندي" ابن مدينة طرابلس عاصمة الفيحاء، استطاع عبر نصف قرن من العطاء والابداع جذب أجيال بكاملها، وقبل غروبه عن دنيا التمثيل اصبح يتيم الفن بعدما تخلى الجمهور عن ذاكرته الابداعية.
استاذ بلبل تلك الشخصية التي طبعت في اذهان الجماهير من عشاق فنه.
كان يغني لهم في كل بيت منذ اكثر من خمسين عاما، واستطاع بمواهبه وثقافته الفنية ان يمثل خصوصية في الذاكرة الفنية الى جانب صوته الغنائي العذب والعزف على العود.
شخصية الاستاذ بلبل يقول ماجد افيوني "اذا ظلمنا الكوميديا واتخذت من الغناء شيئا، عندها يمكن ان نصدق المثل العربي القائل "الصوت ما بيضحك ما بيطرب" ، اما انا فقد نهشت الضحك".
ربيع 1959 بدأ بتقديم البرامج في التلفزيون، وعمل في المسرح 50 عاما، وعمل مع الرحابنة في محطة الشرق الادنى لغاية عام 1956 وكان اول عمل معهم مسلسل "من يوم ليوم"، وشارك بمسرحية "بترا" بطولة: فيروز، وارتبط بالمسرح الشوشوي.
والمسرح يقول ماجد افيوني "يعطي الحرية في العطاء العفوي..والكذب بوابة الكاتب الى الحرية كما تقول ايزابيل الليندي".
بلبل افندي يتمتع بصفتين : الانصات جيدا، والقدرة على اقتناص القصص، ولديه قناعته بأن كل انسان لديه قصة، وكل القصص جذابة طالما قصّت بشكل صحيح.
الفن في لبنان يقول "ابو البلابل": شغلة من ليس له شغل، وكما قال ستانسلافسكي (ابو المسرح السوفياتي) "ان تصل بادائك الى السهل الممتنع هو البلاغة في الاداء".
تعد حياة استاذ بلبل نموذجا للصراع والتحدي لتحقيق اهدافه، وله العديد من المعارك الفنية بداية من فكرة انشائه لمسرح شعبي مع زميله الفنان زياد مكوك، واستمر في صراعاته حتى صراعه مع المرض الذي صرعه في النهاية ليفضّ الاشتباك الدائم مع الزمن والحياة !!
قبل رحيله دخل مستشفى الساحل وأجريت له عملية جراحية للتخلص من اواع ديسك من جهة الرقبة.
وبعدها دخل مستشفى الجامعة الاميركية وحقن بالدم وهو في غرفة الطوارئ وبقي 7 ساعات فيها تأمن له سرير، ثم تبيّن انه ينزف دما من المعدة.
من ادواره في المسرح الوطني، الى فهيم الحلاق، وبلبل افندي المطرب العجوز عازف العود، ومشاركته في بعض مسرحيات سعدالله ونوس.
رافق مشوار شوشو المسرحي منذ العام 1965 وعمله الاول "شوشو بك في صوفر" اخراج نزار ميقاتي وحتى لحظة غياب شوشو الاليم.
تجربة ماجد افيوني السينمائية محدودة، وكان يعتبر ان قيامة السينما اللبنانية امر مستحيل.
ابرز اعماله في مسرح "الشانسونيه" مع الفنان الك خلف في مسرحية "تيتي تيتي" و"مرمر زماني" مع تيريز نخلة.
لعب دور زرياب في مسلسل "اواخر ايام زرياب"، الكاتب والشاعر جوزف حرب وبالاشتراك مع الفنانة رغدة، وتم تصويره بين القاهرة وقطر عام 1984.
وفي مسلسل الظرفاء مع الفنانة ناديا حمدي "ام بسام الاذاعة" مع جورج ابراهيم الخوري، ومسرحية "كاليغولا" اعتبرهما من اصعب الادوار الفنية في حياته.
كما تولى تدريس مادة فن الالقاء في جامعة القديس يوسف ( قسم المسرح).
قبل رحيله قال استاذ بلبل "المسرح الكوميدي عندنا هو الكباريه الشرعي".
شعب بلا مسرح كوميدي حقيقي هو شعب يخشى مواجهة ذاته.
ومجتمع بلا كوميديا هو مجتمع يكره ويحتقر العقل.
وتزييف الكوميديا بهذا الشكل الذي نراه على معظم مسارحنا وشاشات التلفاز هو ترويج لمخدرات لا يحارب عليه القانون وتدشين سفينة مثقوبة حتما ستغرق وسيغرق معها ركابها !!
وعندما يترحم مجتمع على كوميديا زمان معناه انه يسمع فيه اصداء الريح والعواصف.
ولذلك علينا ان نصنع كوميديانا الخاصة.
فهل نستطيع تحقيق الحلم ام نغتاله.
الحلم بضحك نابع من القلب هو حلم مشروع بذرته الاولى هي المحافظة على الوجدان اللبناني من التخريب والدمار والاهم هو المحافظة على الوجدان.
وعلى الاقل حتى تطمئن روح استاذ بلبل ورفاق دروبه الوعرة : شوشو، ليلى كرم، الياس رزق، فريال كريم، والمعلم محمد شامل، وجاك فيليوريه "اسماعيل ياسين فرنسا".