وجهت الممثلة السورية سلاف فواخرجي رسالة طويلة إلى الممثل السوري أيمن زيدان، أرفقتها بصورة وهو يطبع قبلة على خدها، بينما كانت تمسك بشهادة تكريم، ذكرت فيها مآثره وكمية الجحود التي تعرض لها والانتقادات القاسية التي طالته والفضل الذي كان له عليها في مسيرتها المهنية إضافة إلى تفاصيل حل سوء تفاهم لسيط كان بينهما.
وحملت الرسالة الكثير من التقدير والوفاء والمحبة وجاء فيها:"
إلى أيمن زيدان …
الموت دائماً معلن …
وألمه لا نستطيع إخفاءه …
وأمام قسوته وجبروته تصبح كل الأحزان الأخرى ضئيلة …
قد تكون مباغتته لنا وفجائيته المظلمة حلاً جذرياً وأخيراً
تماما كبتر القدم ، هو حلٌ أخير ، يموت بعده الإحساس ،
لكنه يمنع (الغرغرينا) من الصعود إلى باقي الجسم … فيحميه …
ألم الفقدان واحد حتى لو كنا نعلم بالموت مسبقاً وتجهزنا له ، فكيف إن كنا لا نعلم !
وألم الفراق واحد حتى لو كان فقيدنا كبيراً أو مريضاً
فكيف إن كان شاباً ومعافى !
ولكن هناك ثمة أحزان أخرى في حياتنا غير معلنة
بل وكثيرة ، كمتلازمة تصيبنا نعيشها ونتعايش معها دون حل أو دواء … كأوجاع مزمنة في الصباح والمساء وقبل النوم …
تكسر زجاج أرواحنا ولكن ببطء حتى تغدو فتاتاً يستحيل جمعه …
تنتشل منا الأمل رغم مقاومتنا العتيدة ، تسرق من أعمارنا أجمل اللحظات ، ونساعدها نحن باستسلامنا للخوف من الغد وانتظار مالا نعرفه … وتوقع أنه الأسوأ …
كتبت خاطرة منذ فترة تقول : "لك نصفي المبتسم أما دمعتي فهي لي "…
وهذه حالي وحال الكثيرين ، خصوصاً من سُلط عليهم الضوء ، ومن يمتلكون الكثير من الحساسية …
الأستاذ أيمن زيدان …
عاش حزنه الأخير المعلن بفقدان أخيه شادي لروحه الرحمة ، وقبله حزناً بفقدان ابنه نوار لروحه الرحمة …
وأطال الله في عمره ومن يُحب …
ولكنني انطلاقاً من ذاتي وتجربتي ولعدد أحزاني المعلنة في السنوات الأخيرة ، وأحزاني المزمنة المخفية اللامنتهية…
أستطيع أن أستشف أحزان أيمن الأخرى …
قد لا نكون قريبين جداً كباقي أصدقائه وأصدقائي
ولكن الإحساس بالآخر لا يعنيه مدى القرب .
قد تكون الأحزان المتشابهة تجمعنا ،
قد يكون تغير الأحوال قبل وبعد الحرب ،
والتغيير يُحسب بحسب المكانة
والخسارة تُحسب حسب النجاح الذي كان بالضرورة ،
وقد يكون أو على الأكيد خذلان الناس
الذي يسري كالسم البطيء في أجسادنا …
ولكن …
رغم مرارة الحزن … ووحدة أيمن في مُصابه …
كان مُرضياً اجتماع الكثيرين في عزاء أخيه لمواساته … بالتأكيد حُزناً على شادي المأسوف على شبابه وعلى أخلاقه التي يُجمع عليها كل من عرفه ،
ولأن أيمن زيدان له أفضال على الكثيرين كما أعلم وأسمع ، لأنه وقد يكون الفنان السوري الوحيد الذي استطاع بإدارته لواحدة من كُبرى الشركات الفنية سابقاً أن ينجح وبقوة فيما يسمى صناعة النجوم من مخرجين وممثلين وممثلات ، واستطاع بإدارته أن يُنتج أنجح الأعمال السورية وأشهرها وأكثرها تنوعاً وانتشاراً في الوطن العربي .
ولكن بتوقف الشركة تبدلت الأحوال، فلم يعد المدير مديراً ولكن بقي أيمن زيدان بإسمه الكبير ولكن مع الكثير من الخذلان …
إلا … فيما ندر…
كنت صغيرة آنذاك قبل دخولي عالم التمثيل وفي بداياتي ، لم يتسنَ لي العمل ضمن الشركة التي كان يديرها إلا في السنتين الأخيرتين من عمر الشركة ولم ألتقِ به ، واقتصرت مشاركتي على الأرواح المهاجرة للراحل شوقي الماجري ، مبروك لهشام شربتجي ولغز الجريمة لناجي طعمي ، والعمل الرابع الذي جمعني لأول مرة بالأستاذ وهو مسلسل سفير فوق العادة والذي لسوء الحظ لم يكتمل …
حينها تواصل معي الأستاذ هاتفياً ليعرض عليّ الدور
وكان بقمة الذوق وفي جميع المناحي ، ورغم نجوميته الكبيرة واسمه الرنان كان يشعرني بأنه يكلم زميلة قديمة له وأنا مازلت حينها في أول الطريق …
لفتني الأمر وامتننت له بداخلي …
ثم كان لقائي الأول به وكنتُ منبهرة أني سألقى مفيد الوحش ، ذلك الفنان الذي يحسب له الجميع ألف حساب… كان بداخلي رهبة نجحتُ في إخفائها بصعوبة (ولم أفصح عنها للأستاذ أيمن إلا من فترة بسيطة)
فلقيت أمامي تواضعاً جميلاً ، حتى أنه قال لي جملة عفوية وهو يضحك بلهجته المحببة أعطتني ثقة كبيرة في نفسي ،
قال لي : " لقد أثّرتِ بنا بشخصيتك وجعلتنا نحن الرجال ( الخناشير ) في المشهد نتحدث بهدوء مثلك "
لم أصدق أنني أنا التي كُنت أدّعي القوة … أثّرت بشخص كأيمن !!!
سيرته كانت حاضرة دائماً في الوسط الفني ، إيجاباً وسلباً منهم من كان يستطرد بالمدح حتى المغالاة ومنهم من يحكي قصصاً ورواياتٍ قد تخيف أحياناً …
وهذا أمر طبيعي عند الإنجاز والنجاح ، أدركته حقاً حين عشته بتفاصيله …
( فنسبة كبيرة منّا للأسف تخاف من ذكر حقيقة الآخرين والإعتراف بها ! عدا عن موهبة بعضنا في الإفتراء والظلم … ربما لتعويض نقصاً ما )
وكنتُ آنذاك ولاختلاف وهول ما أسمع ، لم أفرق إن كُنت غير محظوظة أنني لست من دائرته وممثليه ونجومه
الذين صنعهم ، أم أنني محظوظة أنني خارج تلك البوتقة…
وأعتقد أنني في ذلك الوقت كنت أميل للثانية !!!
ولا أعلم لماذا ؟
وبعد ذلك المسلسل الذي لم يكتمل لم يكن هناك تواصل يُذكر ، ولكنني أذكر تماماً أنني رفضت استكمال العمل
مع أناس جدد بعد ابتعاد الأستاذ ايمن احتراماً له ، فهو من اختارني للدور ولأنه عرّاب المشروع كله …
واتخذت موقفي دون علم منه ولم أفصح له عن الأمر
حتى هذه اللحظة لأنني ببساطة فعلته لنفسي قبل أن يكون له … ولطالما فعلته مع الآخرين رغم تكرار الجحود …
مرت سنوات عديدة كُنت خياراً أولاً لدى الأستاذ أيمن كممثل وكمخرج ، مما زادني ثقة وسعادة
ولكن لم يحالفني الحظ في شراكته في أي منها على مدى سنوات وهذا فعلاً أحزنني
وشاء القدر أن نجتمع في أعمال قليلة
على طول الأيام وملوك الطوائف للراحل حاتم علي
وحرائر للمخرج باسل الخطيب والكندوش للمخرج سمير حسين
وكان الأستاذ من أوائل الناس الذين احتفلوا بنجاحي في مسلسل اسمهان في مصر وكنت دائماً أسمع أجمل الكلام منه عني بواسطة بعض الغرباء وليس الأصدقاء
كنا نلتقي في مناسبات قليلة جدا ( ربما لأني لست من محبيها ) ولكن كان ملفتاً أن الأستاذ كل مرة نلتقي فيها معاً يقابلني بلهفة وذوق تنمان عن أنه نجم حقيقي وليس ادعاء ...
علاقتنا كانت ودية جداً ، لأنه شخص محترم ودمث الأخلاق ويقدر الناس وأعتقد أنني مثله …
في الفترة الأخيرة وخلال عملنا معاً لم أدرِ لما كان بيننا بعض المد والجذر وسوء فهم مني ومنه ليس بسببنا ربما بسبب ظروف العمل الصعبة أو ربما بسبب بعض المجتهدين الذين يقضون وقتهم في سفاسف الأمور وليس في العمل والجد ، وكان خطأونا أننا لم نتحدث حينها …
إلى أن اجتمعنا في المغرب منذ شهور قليلة ، وكانت هذه المرة الأولى التي نجلس فيها معاً ونتكلم … وبكل صدق وشفافية… لنتواجه في أمورٍ صغيرة جداً لا تستأهل مكاناً لها في البال ولكن كان لابد لها أن تقال مني ومنه … فالمواجهة صفة الشجعان فقط…
وكما تمنينا كان ، فكل ماقلناه لم يكن له أساس من الصحة وذهب هباء منثورا …
مما أراح قلبي ، وجعلني لا أندم أني تعرضت في مرات عدة
كنتُ أتحدث فيها عن الأستاذ بما له أو أكتب عنه بما يستحق ، كُنت أُلام بعنف وقسوة من البعض لدرجة وصلت أحياناً لشرخ أو قطع في علاقتي القوية بهم !!! وهذا أمر لم أفصح عنه أيضاً إلا الآن … وأقولها مجدداً أني تعلمت وتعودت أن أفعل ما أنا مؤمنة به من أجلي ليس من أجل أحد …
شاهدت للأستاذ أيمن لقاء منذ أيام وهو يُسأل عن وجود إخوته في مسلسله الأخير ، وحز في نفسي كثيراً عندما رأيته في موقف التبرير ! وليعذرني الأستاذ ، فمن غير المسموح له أن يبرر ! ولمن ؟ ولما لم يُبرر عندما كان مديراً لشركة فنية كبيرة ، ولما لم يُسأل عن اختياراته للعديد من الأصدقاء ، ويُذنّب لأنه يختار إخوته ( وإن لم يفعل )
هل الأصدقاء حلال والإخوة حرام ؟
أين كان بعض هؤلاء الأصدقاء عندما أنهكت روح شادي وهو ينتظر الفرص بعيداً عن أيمن زيدان !
ألهذا الحد بتنا نحدد سلوكنا الإنساني تبعاً لآراء الآخرين ورغباتهم وخوفنا من نقدهم أو بالأحرى ثرثرتهم !
وألهذه الدرجة بتنا نخاف من أحرف تكتب عبر أجهزة مصنعة لأناس أشبه (بالروبوت) من غير روح ولا احساس !
احترمك كأخ كبير وأحببت كل ذلك الولاء الذي صنعته في إخوتك لك … ولم تتغير نظرتي إلى مفيد يوماً الذي لم يكن وحشاً أبدا كما يقول البعض ، ولم أرَ أمامي إلا الرجل الشجاع الذي يحتضن عائلته ، كل عائلته كأب حنون وأخ لا مثيل له …
وابن … أخذ قلبي وأنا في بيتهم وهو يحتضن قدمي أمه أطال الله في عمرها وأمدها بالصحة ويقبلهما بعشق وخشوع …
لم ولن أنس ماحييت ذلك المشهد …
ورغماً عني ، علاقة الإنسان بأمه تخولني أن أعرفه أكثر ،
وقد أحكم عليه من خلالها أحياناً … أو دائماً …
ما أروعك من ابن … وما أروعك من أخ وأب … وما أروعك من نجم لم تغيرك الأيام ، أقول هذا رغم عدم معرفتي الدقيقة بك ، ولكن اعتقادي جازم ، واحساسي يقين …
سيدي الكريم …
جملة "لا يصح إلا الصحيح " ، تؤلمني لعدم مصداقيتها
في حياتي ، لكن هناك استثناءات ،
نعم طال الزمن ، واهترأ القلب خذلاناً
ولكن أيها النجم اجتمع الناس من حولك
صدمةً وحزناً نعم ، وتقديراً لاسمك واحتراماً لتاريخ قلما استطاع البعض صناعته ، على الأكيد
وأنت صانعٌ ولست متلقياً ، شاء من شاء وأبى من أبى ،
فلا يهمك جيل لا يعرف ما قدم أيمن زيدان للفن وللفنانين ، ولايعنيك بعض رواد (السوشل الميديا ) الببغائيون الذين انفكت عنهم سلاسلهم في فضائهم المزعوم فكان أول مافعلوه أنهم صغروا الكبير وكبروا الصغير بلغة من عفن …
ولاتهتم لمن خذلوك ، فبعضهم جاؤوك …
صدقاً حباً احتراماً خوفاً عليك وواجباً ،
أو كذباً استعراضاً وربما فرصة !
لايهم بعد كل ذلك الحزن … وبعد فوات الأوان…
ولكنهم في النهاية … أتوك …
لأنك الرجل الشجاع الذي ليس له نهاية …
وسنأتيك جميعنا وأنا أولهم في نجاحك القريب بإذن الله،
في فرحك، في قوتك التي لا خيار لك إلّاها لأجل من حولك
ومن يستمدون منك معنى الحياة …
أعلم أني أطلت الحديث
ولكن التعبير حق وواجب …
مازلنا على قيد الحياة …
دُمت بخير ياصديقي
أحبك جداً ، واحترمك جداً …".